top of page

مسرحية "حلم الليل" للمخرج الواعد عيادي عون الله : الخيال كردة فعل ومواجهة

  • Writer: أسامة بن الحاج محمد
    أسامة بن الحاج محمد
  • 2 hours ago
  • 4 min read

في إطار الدورة الثانية للملتقى الدولي للمسرح الجامعي الحسين بوزيان، وعلى ركح قاعة دار الثقافة بن عروس النموذجية، قُدّمت يوم السبت 13 ديسمبر ( كانون الأول) 2025 مسرحية "حلم الليل"، إنتاج المبيت الجامعي العمران الأعلى، وإخراج عيادي عون الله، كإشتغال مسرحي واع على واحدة من أكثر المناطق هشاشة وخطورة في البنية الإجتماعية : الطفولة. يتعامل العرض مع الطفولة كحقل رمزي تعاد داخله صياغة العنف، وتختبر فيه أولى آليات الإمتثال والتمرّد.


في فضاء مغلق يتحول بيت إلى سجن حيث يطغى عليه التوتر والاضطراب. تواجه الأطفال، وهم ثلاثة إخوة بنات، في هذا المسكن الذي لم يعد مصدر للسكن عوالمها الباطنية فتتجلى أحلامهم في صرخة مفزعة لمواجهة أنانية تسلطية للوالدين.


تبنى هذه المقاومة باللعب من خلال لهوهم اليومي والذي يتمثل في "قتل الوالدين" رمزيا. فلا وجود لجثة ولا لدم ولكن تحدث الجريمة في خيال الأطفال للتحرر من القمع الممارس عليهم.


تظهر اللعبة في سياق تُحرم فيه الطفولة من المشاركة والفعل فيتحول الخيال إلى بديل عن واقع صادم ومربك لتعويض الحرمان عبر طقوس لعب خطرة.  


بين الحرية والسلطة داخل الأسرة


يقدّم "حلم الليل" قراءة مسرحية للطفولة بوصفها أول فضاء تُمارس داخله السلطة. نرى أطفالا داخل غرفة مغلقة يمارسون لعبا طقوسيا يقترب من محاكاة الجريمة دون بلوغها، فيتحول الخيال إلى المجال الوحيد الممكن لممارسة الحرية، تقدّم الغرفة فيه كبنية نفسية مغلقة تحاصر الأجساد وتطلق اللاوعي الجمعي.


داخل هذا الحيز تطفو الحيوانية الكامنة في الإنسان بوصفها إستجابة غريزية لتراكم القهر.


ففي مسرحية "حلم الليل" يقترح المخرج عيادي عون الله مسارا يسافر بالمتفرج من المحلي عبر سرد واقع طفولي يواجه بالحلم والخيال لتنفتح الدلالات إلى تساؤلات كونية تشير إلى الإهمال الذي تعاني منه هذه الفئة الضعيفة في الأسرة و داخل مجتمع يتباهى بقيم الإستهلاك.


هنا يلمس المخرج قيم كونية تُعنى بالحيطة والمسؤولية اللتان أصبحتا اليوم في أزمة ضمن عالمنا الذي يدعى التطور.


يكتسب الأداء التمثيلي موقعه المركزي تقدّم فيه الممثلة نوران الشتوي جسدا مسرحيا مشحونا بالهشاشة، يشتغل على الإنكسار الداخلي وعلى الصمت بوصفه خطابا، حركتها المقتصدة ونظراتها المكثفة تنقل الخوف قبل الكلمة، فتتجسد الطفولة كحالة تآكل داخلي تحت وطأة سلطة غائبة حاضرة في الوعي.



ومن ناحية أخرى تشتغل تيسير القريع على طاقة جسدية حادّة، في حضور قائم على توتر دائم وحركة قلقة تضع الشخصية في إشتباك مستمر مع الفضاء ومع الآخر، يبدو فيه جسدها حاملا لفائض عنف يبحث عن منفذ داخل اللعبة، فيتحول الأداء إلى علامة على إنتقال القسوة من الموروث إلى المعاش. 



أما إسلام البدوي، فتؤسس أداءً ملتبسا قائما على التذبذب بين البراءة والدهاء. صوتها وإيقاعها الجسدي يصنعان شخصية غير مستقرة تتحرك على تخوم الوعي، فتغدو مرآة لإرتباك الجماعة أكثر من كونها ذاتا فردية مكتملة.
من اليمين إلى اليسار : اسلام البدوي و تيسير القريع و نوران الشتوي. مصدر الصورة حافظ الشتيوي

من اللعبة يتولد إذن سؤال حول ماهية وجود الطفل في عالم عنيف. "حلم الليل" تبرز في هذا الإطار آليات إنتاج العنف منذ الصبا. هو إذن عمل فني يسائل الحرية لدى الطفل التي تنشأ وتصاغ داخل خياله كبديل أوحد عن واقع خانق يجد فيه الطفل نفسه أمام مرآة قاسية.


مرآة الطفولة التي تتحول إلى مختبر مبكر لإعادة إنتاج القهر داخل كائن لم يكتشف الحياة وجمالها بعد.


مراجع العرض


ينبني العمل "حلم الليل" على إقتباس حر من نص "ليلة القتلة" للكوبي"خوسي تريانا"، إقتباس يشتغل بمنطق التحوير المفهومي، ففكرة قتل الأب/السلطة تنزاح نحو لعبة، واللعبة تتحول إلى تقنية مسرحية لفضح آليات القمع حين تعجز اللغة الواقعية عن قولها.


كما يتقاطع العرض مع مقاربات فرويدية للكبت، ومع تصورات أنثروبولوجية ترى في اللعب طقسا بدائيا لإعادة ترتيب العالم عند إنهيار النظام الرمزي.


يشتغل العرض أيضا ضمن جماليات القسوة المؤجَّلة لا إنفجار درامي ولا ذروة تقليدية، إنما هو تراكم بطيء للتوتر ضمن بنية دائرية تعيد إنتاج الحالات والمشاهد، يتبلور فيها الزمن المسرحي زمن نفسي متشظّ يدور حول عقدة واحدة : إستحالة الخلاص داخل منظومة السلطة التي لا تتواصل ولا تشرك الطفل لتعرف تعبيراته ومشاغله. يُترك المتفرج في حالة قلق، حيث يتحول السؤال إلى مركز التجربة.


يرسّخ العرض فكرة العنف الدائري، حيث يعاد إنتاج السلطة داخل اللعبة نفسها، في تقاطع واضح مع تصورات "ميشيل فوكو" حول السلطة كشبكة علاقات لا مركز لها : ما يعبر عنه البانوبتيكون.


 الأداء التمثيلي


يكتسب الأداء التمثيلي موقعه المركزي تقدّم فيه الممثلة نوران الشتوي جسدا مسرحيا مشحونا بالهشاشة، يشتغل على الإنكسار الداخلي وعلى الصمت بوصفه خطابا، حركتها المقتصدة ونظراتها المكثفة تنقل الخوف قبل الكلمة، فتتجسد الطفولة كحالة تآكل داخلي تحت وطأة سلطة غائبة حاضرة في الوعي.


ومن ناحية أخرى تشتغل تيسير القريع على طاقة جسدية حادّة، في حضور قائم على توتر دائم وحركة قلقة تضع الشخصية في إشتباك مستمر مع الفضاء ومع الآخر، يبدو فيه جسدها حاملا لفائض عنف يبحث عن منفذ داخل اللعبة، فيتحول الأداء إلى علامة على إنتقال القسوة من الموروث إلى المعاش.


أما إسلام البدوي، فتؤسس أداءً ملتبسا قائما على التذبذب بين البراءة والدهاء. صوتها وإيقاعها الجسدي يصنعان شخصية غير مستقرة تتحرك على تخوم الوعي، فتغدو مرآة لإرتباك الجماعة أكثر من كونها ذاتا فردية مكتملة.


وهنا يتكامل أداء الممثلات الثلاث داخل مردود جمعي غير هرمي، حيث تتوزع الطاقة الدرامية دون مركز ثابت و ينشأ كيان طفولي مركب تتبادل داخله الشخصيات الأدوار.


السينوغرافيا


على مستوى السينوغرافيا، يختار العرض إقتصادا بصريا صارما، الإطار الفارغ دون صور يحيل إلى غياب الذاكرة الحاضنة وإلى فراغ قيمي شامل وتتحول الخشبة إلى فضاء إنتظار، إنتظار إنفجار يحدث داخل المخيلة قبل الفعل تصير فيه الوسادة جثة، والشريط الذي يرسم حدّا بين الواقع والمتخيل، عناصر تشتغل كعلامات رمزية بدل أدوات محاكاة وتأخذ الجريمة بعدا طقوسيا تفريغيا يحافظ على توازن جماعي هش.


وللإشارة أيضا يحضر في هذا العرض التعدد اللغوي كخيار جمالي ودلالي تحيلنا الدارجة فيه إلى اليومي والمباشر، والفصحى تظهر كصوت داخلي مأزوم يواكب التحولات النفسية للشخصيات في تعميق للإنقسام بين الظاهر والمكبوت.


كانت الموسيقى في مسرحية "حلم الليل" تعبيرا عن هذه الحيوانية والوحشية التي جعلت من الأطفال يتحوشون ويقتلون السلطة الابوية رمزيا. الحركة تعبر عن الآلة. فالاطفال هي آلات للتنظيف والطهي والاعتناء بشؤون المنزل.


يتحول البيت شيئا فشيئا إلى مسرح للجريمة لذلك وقع وضع شريط عازل يستعمل عادة في الأبحاث الأمنية على كامل الركح. "يمثل هؤلاء الاطفال إطارات فارغة دون صور لأن العائلة لم تترك لهم المجال لرسم مصيرهم وإثبات وجودهم فهم بالتالي لا يتجاوزون هذا الإطار المجرد" بهذه الكلمات يفسر المخرج عيادي عون الله تصوره الدرامي.


العبرة


حين يغيب الحوار داخل الأسرة وحين تطمس احلام الأطفال ويقع قمعها يتحول هذا الطفل الكائن الملائكي الى وحش وكائن حيواني يصعب ترويضه. هذا هو المغزى من العرض كما صاغه عيادي عون الله مع ممثلات مفعمات بالطاقة وصدق الإحساس.



ملاحظة : أنقر الكلمات الملونة بالأزرق للتعرف على المراجع المعتمدة في هذا المقال.

 À l'affiche

    Lancé en 2015, culturetunisie.com avait une vocation de formation à l'écriture sur l'art avant de se transformer en 2020 en une plateforme spécialisée dans la couverture des manifestations artistiques et culturelles en Tunisie. Aujourd’hui, culturetunisie.com propose des articles journalistiques, des interviews et des portraits en trois langues : arabe, anglais et français.  

    Pour toute information, veuillez contacter Mohamed Ali Elhaou, fondateur de ce support culturel, à l'adresse suivante : elhaou@gmail.com

    Vos informations ont bien été envoyées !

    bottom of page