top of page
  • Hayder Medini

عبر فيلم الإبرة يرفع عبد الحميد بوشناق شعار الفنان الذي يخوض في مساحات فنية محظورة بشجاعة


 في فيلمه الجديد "الإبرة"، يستكشف المخرج عبدالحميد بوشناق محوراً اجتماعياً حساساً، حيث يسلط الضوء على ثنائية الجنس Intersexe، موضوعاً لطالما تم تجاهله في المجتمع. يعبر الفيلم عن هذا الموضوع المعقد الذي يؤثر في حياة أشخاص معرضين للنبذ المجتمعي والسخرية والانطواء. "الإبرة" تنكشف كرواية مثيرة تستكشف تعقيدات القيم الاجتماعية، مركزة بشكل خاص على موضوع ثنائية الجنس — أمر غالبًا ما يكون ملفقًا بالصمت أو الشعور بالعار ضمن المجتمعات التونسية والعربية. من إخراج عبد الحميد بوشناق، يمثل هذا الفيلم رحلته الثالثة في فن السرد الطويل، حيث يظهر استكشافًا جريئًا. أبطال العمل هم فاطمة صفر وبلال سلاطنية وجمال مداني وصباح بوزويته والمنصف العجنقي، ومجموعة أخرى من الفنانين. فكيف نجحت استراتيجية تسويق فيلم "إبرة" في خلق ترقب وحماس لدى الجمهور قبل صدوره؟ و كيف تم تكامل استراتيجية التسويق لفيلم "إبرة" مع تحديات السوق السينمائية الحالية وكيف تم التعامل معها لضمان نجاح الفيلم؟



تدور القصة حول زوجين يترقبان بشغف وصول طفلهما الأول بعد أربع سنوات من الزواج. مع اكتشاف أن المولود يحمل حالة نادرة، حيث يكون له جنسان ذكر وأنثى في نفس الوقت، تتشظى العلاقة الهادئة بين الوالدين. يرفض الأبُّ بشدة فرادى الطفل، مما يؤدي إلى نزاع عميق مع الأم، مريم، التي تصر على قَبُول طفلهما كما هو. يأخذ الفيلم الجمهور في رحلة عاطفية، حيث يقدم أولًا سردًا خطيًا مركزًا على الحوار بين الوالدين ومحادثاتهم حول اختيار اسم المولود. ولكن، مع ظهور الحقيقة المثيرة حول ثنائية جنس المولود، تأخذ القصة منحىً دراميًا. تتفكك الأسس الزوجية التي كانت قوية في البداية، ويشتد الفيلم، يلتقط المخرج التوتر والاضطراب الذي يكتنف الشخصيتين.

 

يأتي هذا الفيلم كثالث أفلام بوشناق بعد "دشرة" سنة 2018 و" فرططّو الذهب" سنة 2020، حيث يظهر التحدي الفني الذي قدمه المخرج في سياق يتسم بالإبداع والتفرد. يعكس "الإبرة" تجرِبة فنية متقدمة تستمر في حقل السينما منذ سنوات، ويرفع علم الفنان الذي يخوض في مساحات فنية محظورة بشجاعة. في سياق استراتيجيات تسويق الأفلام، يبرز المخرج التونسي عبد الحميد بوشناق كشخصية محورية تظهر اتجاهًا مستقدمًا avant-gardiste في عالم السينما. يعزز فيلم "الإبرة" تلك الاستراتيجيات بواسطة التفرد والتنوع في موضوعه، وهو فيلم يحمل جرأة في الطرح ويسعى لبناء حوار تسامحي تفاعلي ومجتمعي حول مسألة الاختلاف عمومًا.


الملفت للانتباه انه تم تخصيص كل إيرادات العروض الأولى لفيلم "إبرة" لصالح الهلال الأحمر التونسي، ضمن جهود الإغاثة الموجهة لقطاع غزة. وذلك انسجامًا مع واجب التضامن مع الشعب الفلسطيني ومقاومته ضد الإبادة الجماعية التي ينفذها الكيان المحتل. منذ صدور الفيلم، تنظم إذن شركة "هكا للتوزيع" بالتعاون مع الهلال الأحمر التونسي، بدعم من شركة "شكون للإنتاج" وقاعات السينما ودور الثقافة، حملة تطوعية لجمع التبرعات تشمل جميع عروض فيلم "إبرة" لعبد الحميد بوشناق، بدأ هذا المَدّ منذ يوم الجمعة 1 ديسمبر 2023. هذه الطريقة هي في ذات الآن تقنية تسويقية للفيلم.




تستند استراتيجيات تسويق الأفلام عمومًا إلى عدة نِقَاط أولها؛ الترويج عبر منصات التواصل واستخدامها لتسليط الضوء على جوانب مثيرة من الفيلم والاستفادة من حملات التشويق والمحتوى التفاعلي لتشجيع المشاهدين على المشاركة. ثانيًا؛ الشراكات والتعاون حيث إن التحالف مع شركات ومؤسسات تشارك في تمويل أو دعم الفيلم بالإضافة إلى تكوين شراكات مع وسائل الإعلام والصحفيين لتحقيق تغطية إعلامية شاملة.


ثالثًا؛ المشاركة في المهرجانات والفعاليات بعرض الفيلم في مهرجانات سينمائية بارزة لكسب الاهتمام والتقدير. وتنظيم فعاليات جانبية خلال المهرجانات لزيادة التفاعل. رابعًا؛ إطلاق حملات إعلانية متنوعة تستهدف الجماهير المحددة و تستعمل الإعلانات التفاعلية عبر الإنترنت لتشجيع الجمهور على الانخراط. عبر هذه الحملات يتم إنتاج مقاطع فيديو ترويجية مثيرة وجذابة وفي نفس الوقت يتم إطلاق محتوى خاص "الكواليس" لتعزيز التفاعل والفضول.


وأخيرًا استهداف جماهير معينة: ذلك بتحديد الفئات العمرية والاهتمامات لتصميم حملات ترويج مستهدفة واستخدام تقنيات التسويق الاستهدافي لزيادة نجاح الفيلم في فئات محددة. توظف هذه الاستراتيجيات العوامل الفنية والتسويقية لضمان تأثير قوي ونجاح "استثنائي" على مستوى السينما.


سر خلطة هذا النجاح النسبي هو العمل والمثابرة


تمثل التمويلات الخاصة الركيزة الأساسية لأعمال بوشناق، إذ يعتمد على دعم شركات الإشهار والتمويلات الشخصية المستمرة من أرباح أفلامه السابقة. هذا الدعم يؤدّي دورًا حاسمًا في تحقيق نجاحاته الفنية وجعله قوة فنية صاعدة تُلاحَظ في الساحة السينمائية. نسبة هامة من نجاح "الإبرة" مصدره الاسم الذي حققه بوشناق عبر مسلسلاته الرمضانية الناجحة، مثل "النوبة"2019-2020 و "كان يا مكانش"2021. هذا الجمهور المتوسطي والعربي الذي اكتسبه أصبح ينتظر بشغف أعماله، مما يُسهم بشكل كبير في جذب الانتباه إلى "الإبرة". تستند تمويلات بوشناق الفنية إلى تعاونات مع رعاة يسعون للإعلان des mécènes، بالإضافة إلى بعض التمويلات الشخصية والإيرادات من أفلامه السابقة. يظهر من خلال تجربة بوشناق عدم التعويل بشكل كبير على مساعدات وزارة الشؤون الثقافية والتوجه نحو استغلال مصادر تمويل متنوعة، مما يعزز الاستقلال الإبداعي لهذا المخرج الشاب الذي يستند خصوصا في مهنته على شباك التذاكر. هذه الحرية النسبية لها تأثير إيجابي يظهر بوضوح في تفرد المخرج في اختيار مشاريعه وخصوصا في تفاعل الجماهير مع الإنتاجات الفنية لعبد الحميد مما يجعله يحقق إيرادات مالية تمكنه من استثمارات فنية مستقبلية أي المواصلة في ميدان تُجهل فيه عموما ملامح النجاح.


دراية بالتسويق ولعب لُعْبَة الإعلام


يتألق بوشناق في جانب التسويق، حيث يعتمد على استخدامه الفعّال لوسائل التواصل الاجتماعي ويثقلها بلمسات شخصية. يجمع بين الوجوه المعروفة والمواهب الجديدة في أعماله السينمائية، مما يعزز الفضول ويبني توقعات المشاهدين. إضافةً إلى ذلك، يندمج بوشناق في فعاليات فنية ومهرجانات سينمائية، مما يسمح له بالتفاعل المباشر مع الصحافة والجمهور. هذا يعكس اهتمامه بتوفير تجربة متكاملة للمشاهدين، مستفيدًا من شركات إنتاج موثوقة وشراكات استراتيجية. بوشناق يقوم بدمج الفن والتسويق بشكل متقن، مما يساهم في بناء سمعته: مخرج ناجح وفنان مبدع في عالم السينما. وفي حضوره في الإعلام هو يجيب دائمًا عن دوره المحوري في تطوير صناعة السينما ويتجنب قدر الإمكان الغوص في السفاسف.


يظهر الاختيار الفني لبوشناق في استخدام وجوه معروفة وشهيرة في الساحة التونسية، مثل جمال المداني، بجانب الاعتماد على وجوه جديدة مثل الممثلة فاطمة صفر أو الممثل بلال سلاطنية. هذا التوازن بين التقليدي والجديد يبرز الجهد الإبداعي والرؤية المستقبلية للمخرج. إذا كان المخرج أو الممثلون أو الشركات المنتجة لها سمعة جيدة في صناعة السينما، فإن ذلك يمكن أن يساعد في بناء الثقة لدى الجمهور وجعلهم يهتمون بمشاهدة الفيلم.


وعلى هذا، يمكن للتسويق واختيار الوجوه المعروفة أن يساهما في دفع جمهور أوسع لمشاهدة فيلم "إبره" وزيادة نجاحه التجاري والفني. فيلم "الإبرة" لا يكتفي بتقديم إنجازٍ فنيٍّ مميز، بل يتناول قضية حساسة بأسلوب يتسم بالتعقيد والتفرد. تستحق إذن أعمال عبد الحميد بوشناق التقدير والاهتمام، فهو يقدم إسهامًا قيمًا في عالم السينما جدير بالتأمل والدعم المالي والمعنوي.

حيدر المدينى

 À l'affiche
Derniers articles
Archives
  • Facebook Basic Square
  • Twitter Basic Square
  • Google+ Basic Square
bottom of page