مسرحية البخارة لصادق الطرابلسي : إدانة الصمت على جريمة التلوث البيئي (بقلم حسام بلغولة)
- Mohamed Ali Elhaou
- 6 déc. 2024
- 3 min de lecture
Dernière mise à jour : 6 sept.
تظافرت مفردات العرض المسرحي في "البخارة" لتشكل "فرجة" تطرح المسألة البيئية على طاولة النقاش و تدق نواقيس الخطر حول ما يمكن أن يشكله التلوث من خطر يهدد الطبيعة و حياة الأفراد داخل المجتمع.
نحتت هذه المسرحية فرادتها و هويتها الخاصة التي أهلتها لحصد جائزة العمل المتكامل في "مهرجان مواسم الإبداع" 2025 و "أيام قرطاج المسرحية" بالإضافة إلى الجوائز الفردية الأخرى التي أحرزها كل من رمزي عزيز و مريم بن حسنْ.

كان لازاما على أحدنا أن يتقدم ليواجهنا بحقيقة الواقع البيئي و ما يمكنْ أن ينجر عنه من استتباعات لا تهدد الطبيعة فحسبْ بل تتجاوزها نحو تهديدْ السلم الاجتماعي للدول و للإنسان في وجوده...
من فينا لم يلاحظ تلك الغيوم الداكنة والاختفاء القسري للشمس في سماء "ثنية قابسْ" من معتمدية طينة بولاية صفاقس...
السيابْ Siap ذلك الوحشْ الذي فتك بينا! ومن فينا لم يتألم من مشاهد البحر في جنة الجنوبْ قابسْ وهو يميلْ نحو السوادْ و يلفظ ثروته النباتية والحيوانية بمفعول فضلات الفوسفوجيبس.
وًإنْ لا يمكنْ أن نختزلَ الأزمة البيئية في تونس في هاتينْ المنطقتينْ إلا أنهما قد مثلتا منطلقًا لصادق الطرابلسي ليواجهنا بحقيقة الأزمة البيئية قارعا نواقيس الخطرْ في مسرحية "البخارة".
هي مسرحية من إنتاج قطب المسرح في دار الأوبرا ألّفها كل من إلياس الرابحي و صادق الطرابلسي و شارك في أدائها كل من رمزي عزيز و مريم بن حسن و علي بن سعيد وبلال سلاطنية و بليغ المكي و ساعدت في دراماتورجيتها و إخراجها الفنانة تماضر الزرلي.
ضمن مقاربة راوحت بين التعبيرة الفنية الجمالية والإدانة السياسية لمسألة التلوث تنزلت هذه المسرحية لتورط من يشاهدها منذ للحظة الأولى في جوها العام المشحون و المأزوم عبرَ سؤالْ "وين الشمس"؟ فإلى أي حد نجح صادق الطرابلسي في إدانة الصمت الرسمي على مسألة التلوث؟
البخارة نحو مسرحْ بيئي محتجْ
إذا ما سلمنا بأن تطويرَ وتثويرْ الوعي المجتمعي أحد المهام المناطة بعهدة الفن المسرحي فإن البخارة هناكْ تعلن أنتماءها و رسالتها و انحيازها.
هي أهم إن لم تكنْ أولى التجارب المسرحية التونسية التي اشتغلت على المسألة البيئة و بذلك نحتت المسرحية هويتها بعيدًا عن ضوضاء الاجترار والتكرار اللذان يسيطران على المسرح التونسي منذ عقد من الزمن على الأقل...
وهذا ما يجبُ تثمينه علّ "البخارة" تكون جسرا يعبرُ من خلاله المسرحً في تونسْ ليضع على الطاولة ملفاتْ و قضايا أخرى مسكوت عنها.
الميكرو - الماكرو
في الجزء الذي يعبرُ عن الكلْ في دراسته "ميكرو- ماكرو في إلزامية تبيان آليات الإنتقال" المنشورة في مجلة عمران في عددها ال29 صيف 2019 يبرز الباحث في علم الإجتماعْ علي الجعفري أن موضوع الانتقال بين مستويات الواقع حديثة الطرح في العلوم الاجتماعية.
وإن كان لهذا الانتقال بين مستويات هذا الواقع شروطه الخاصة في علم الاجتماع فإن شرطه الوحيد في المسرح هو عدم الوقوع في شراك الاختزال. وهذه مهمة أخرى نجحت فيها "البخارة" اذ تنطلق في الحديث عن المسألة البيئية عبر الاشتغال على وضعية عائلة مفروزة إجتماعيا.
عائلة كل ما نعرف عنها أنها قريبة من "البخارة" وتبحثُ عن طريق نجاة من جحيم البخارة الذي يختنق فيه " يحيى" و يكافح ضده نضالْ.
هاذان الأخوان الذانْ تبنى حولهما المفارقة إذ يكافح نضالْ من أجلْ الحياة التي ودعتها أمهما ويستعد والدهما لتوديعها بينما يستكين يحيى رغم ما يلحقه من أذى على المستوى الصحي والاجتماعي سواء في ظروف العمل أو في مستوى علاقته بزوجته.
هي ليستْ عائلة بقدر ماهي وسيلة اعتمدها المخرج ليفتح من خلالها نافذة أخرى يتجنب فيها فخ المباشرتية في الخطاب و يتطرق بواسطها إلى ما يمكن أن يخلفه التلوث من عاهات.
هي كذلك دعوة صريحة للمقاومة و إدانة الصمتْ الرسمي من خلال شخصية "نضال" التي أداها الممثل علي بن سعيدْ.
إدانة الصمتْ و الدعوة للمقاومة
حسبَ دراسة المعهد الوطني للإحصاء تقدر نسبة انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربونْ ب 228,8 مليون طن سنة 2004 و إذا كان هذا الرقم مفزعًا في ذلك الوقت فكيف هو الآن بعد 20 عام؟
إذ تحتل تونس حسب دراسة أعدها ائتلاف "إرثنا" المرتبة الثالثة إفريقيًا و ال71 عالميًا بنسبة تناهز ال75,12 % وبمعدل 2100 حالة وفاة سنويًا حسب منظمة السلام الأخضر "غرينبيس".
مع كل هذه الأرقام المفزعة ألا يبدوا صمتنا جريمة؟ فكيف يكون الصمت إذا كان صمتا رسميًا مع كل هذه الأرقام...ألا ترقى المسألة أن تكون "جريمة دولة"؟
هي إشارات قدمها علي بن سعيد في اشتغاله على شخصية نضال ذلك الشاب الذي يقاوم و يحتج ويناضل من أجل عدالة بيئية و اجتماعية تدين الخطاب الرسمي المتمثل في شراء السلم الاجتماعية (شخصية بليغ المكي) على حساب الحق في بيئة سليمة تضمن للمواطن حقه في حياة بكل ما تحمله الكلمة من معاني.





















Commentaires