top of page

سان لوفان أو سانت ليفانت في مهرجان قرطاج الدولي : غنى ليحدث شرخا في الذوق التونسي

  • إيمان سويلمي ومحمد علي الحيو
  • il y a 6 jours
  • 4 min de lecture

Dernière mise à jour : il y a 2 jours

في مساء الخامس من أوت، أغسطس، 2025، وفي إطار الدورة التاسعة والخمسين من مهرجان قرطاج الدولي، حيث يمتزج عطر الياسمين بنبض البحر الأبيض المتوسط، ارتقى سان لوفان، قديس المشرق، خشبة المسرح لا كعابر فنّ، بل كحامل لذاكرةٍ كاملة وليحدث شرخا في ذوق الصحفيين وفي تفاعلهم مع النغم والفن. خشبة حملت فوق كتفيها أصوات قرونٍ من الغناء، وارتجفت تحت وقع أقدام أساطير الفنّ، منشدين وشعراء وعازفين مرّوا من هنا كما تمرّ النجوم في سماء صيفية. تلك الخشبة التي أضاءتها شمس قرطاج القديمة، ليست جمادًا، بل ذاكرة صلبة، تحفظ في مسامها صدى الفينيقيين والرومان، وتضيف الليلة صدى غزّة وهي تعانق تونس بالنغم. كانت في تلك اللحظة كأنها تهمس لسان لوفان : "مرحبًا بك بيننا… نحن نفهم لغتك، فقد سمعنا لغاتٍ كثيرة، لكننا نعرف أن الوجع حين يُغنّى يصبح أبدًا."


سانت ليفانت في مهرجان قرطاج الدولي. مصدر الصورة : فيك الدورة 59
سانت ليفانت في مهرجان قرطاج الدولي. مصدر الصورة : فيك الدورة 59

غنّى وكأن المسرح نفسه يردّد وراءه، فتداخل صوت الإنسان بصوت التاريخ، وصار المشهد لوحة يختلط فيها الرمل بالموج، والدمع بالنشيد. ما حدث على المسرح لم يكن عرضًا، بل احتفالًا بالحضور، مقاومة بالنغم، وطنًا مؤقّتًا يُقام لأجل ساعة، ثم يُطوى في الصدور.


لم يكن فنانًا عرضيا، بل كان ذاكرةً تمشي، وقلبًا يغنّي. منذ اللحظة الأولى، بدا الحفل إستفزازيا متمردا دون الألات الموسيقية الكلاسيكية ودون توضيب للركح واللباس وحتى الكراسي التي كانت بلاستيكية. في هذا الصدد يقول الصحفي صلاح طرابلسي عن العرض : "صحيح الاذواق تختلف ولكل جيل فنه...لكن الي صار البارح في قرطاج ما ينجمش يكون عرض فني...والسيد جاء عمل شكشوكة خالتي جنات وطلع مبروكة والذراري تصيح وتعيط وتصفق".


تشاطر هذا الرأي الصحفية خديجة السويسي : "بصراحة انا صحيح من جيل اخر وڤديمة برشا في راسي ومزلت نسمع في غنايات ممكن ما يسمعهم حد اما مخي التاعب يقلي "ليه بتقصر تنورة" ما تجيش بعدها "دمي فلسطيني" وما تنجمش تليها "تجي نتجوز بالسر" حتى كان ريميكس بش يملأ الوقت هذا اسمو سيدي خلوض بالكبير".


من نقاط قوة العرض رغم ما شابه من عيوب هو وكأنّ الصوت لا يصدر من مكبّر، بل من صدغ القلب. الأغنية الأولى لم تكن إعلان بداية، بل كانت بابًا فُتح على الذاكرة. صوتُه تسرّب كالضوء في غرفةٍ قديمة، كنسمة تعرف كيف تمرّ دون أن تُخيف، وكيف تلامس دون أن تجرح. ماروان عبد الحميد، المعروف باسم سان لوفان أو ليفانت، وُلد في القدس في السادس من أكتوبر سنة 2000، ونشأ في غزّة، ثم هُجّر كما يُهجَّر الحلم من وسادة ويعلن تمرده الدائم عبر الغناء.


هو ابنٌ المنفى وابن الإيقاع وابن الحنين. يغنّي بثلاث لغات، لا استعراضًا، بل لأن الذاكرة أحيانًا لا تكفيها لغة واحدة. في أغنيته "ديرة" التي تحمل اسم الفندق العائلي في غزّة، لم يكن يروي حكاية… بل كان يستحضر بيتًا مدمّرًا، وجدارًا مائلًا، وصباحًا لم يكتمل. كانت الأغنية صلاة تُرفع لا إلى السماء، بل إلى ذاكرة الطفولة. وكانت تونس، تلك الليلة امتداد لغزّة. السؤال هنا : هل يكفي إستعمال غزة للرقي بالفن وجعله مقبولا ومستساغا ؟


تأتي الإجابة من خلال رأي الصحفي كيلاني صحابو الذي كان في العرض : "الحقيقة أنا ما نراهش صراع أجيال نراه صراع بين فن و حاجة أخرى تجي كل شيء كان فن...فيروز يسمعوها مالأربعة سنين للتسعين سنة...أم كلثوم يسمعوها مالعشرين للمائة سنة...الهادي الجويني كيف كيف...موسيقى خالدة يسمعوها الأجيال الكل...الشيء ينطبق على الأنماط الموسيقية الغربية...من بلوز لكاونتري لروك...لجاك برال...لداليدا...لعمالقة الأغنية الفرنسية لي سمعناها برشا بحكم الإرث الفرنكوفوني لي عنا...أما السيد لي جاء البارح...لا جاب لحن...لا جاب صوت...موسيقيا ما فما حتى موهبة و حتى قيمة...شباب و بدنو باهي و يعمل في شويا شو و بالطبيعة أصلو فلسطيني عاونتو في استعطاف/استقطاب فئة مالجمهور...باقي "أشرت الكلمنتينة" لا عمرها كانت و لا باش تولي فن". بعبارة أخرى يبدو أن الفن المقدم حسب هذا الرأي لايرقى أن يكون إبداع.


رغم هذا الرأي الجمهور لم يكن جمهورًا، بل شريكًا. دبكة جماعية فجّرت الوجدان، وأعلام تُرفع لا لِتُرى، بل لِتُحسّ. كانت لحظة صادقة، من تلك اللحظات النادرة التي يشعر فيها الإنسان بأنه ليس وحده، بل جزء من حكاية أكبر، حكاية تتجاوز الحدود والخرائط والمناسبات.


مع أن الحفل أُقيم أمام شبابيك مغلقة، خرجت أصوات تُشكّك. قيل إنّ مسرح قرطاج "أكبر" من سان لوفان، وإنه لم يَبلغ بعدُ من التجربة ما يُخوّله اعتلاء هذه الخشبة التي مرّ عليها الكبار. بل وُجّهت إليه تهمة قديمة-جديدة: "يتاجر بالقضية الفلسطينية". فماروان من أغنيته الأولى إلى ألبومه الأخير "رسائل حب"، لا يغنّي عن فلسطين، بل منها. لا يستعملها، بل يسكنها. في لقاءاته، في كلماته، وحتى في صمته، تشعر بأنّ غزّة لم تخرج منه قط، بل تخرج معه على المسرح في كل مرّة. قالها بوضوح : "وجودي كفلسطيني فعلٌ سياسي." وقالها بنعمة: "حين أُغنّي، أُحاول أن أُقيم جسورًا لا بيني وبين الجمهور، بل بيننا وبين الأرض."


الصحفي نور حمدي تجاوب وتناغم مع ما يقدمه سان لوفان فيقول: "حتى حد ماهو محطوط حارس على الثقافة، فيا ريت منغير نتنمر على الناس والدخول في صراع الأجيال، نجمو نعطيو رأينا منغير تهكم أو نتهجم على غيرنا. ماهوش بش تنقص منا حاجة كيف نكونوا محترمين مع بعضنا. أكيد النقد يلزم يكون موجود أما فما طريقة متاع نقد، موش لازم تجريح وتنمر وتشهير بالآخر. النقد عندو آليات زاده وعندو مختصين : موش كيما نظرة الصحفي، كيما المتفرج، كيما الناقد، كيما الفنان، شخلانا ربي سبحانه خلقنا بصمات مختلفة فيا ريت نخلّيو الناس تستمتع بالفنان الي يحبوه، خاطر حتى حد ماهوا وصي على الآخر".


وربما هنا يكمن سرّ الجدل : الفنّان الذي يُشبه جيله، لا يُرضي الأجيال السابقة بسهولة. الفنّ الذي يُغنّى بالعامية وبالمزج وبالحبّ وبالانكسار، لا يُصنّف بسهولة. هو ليس راية تقليدية ولا نشيدًا كلاسيكيًّا. بل هو صوت يتسلّل من الشقوق، لا من المنابر. وهكذا تبقى الحقيقة التي لا تحتاج إلى دفاع : في تلك الليلة لم يكن ثمة نجم على المسرح وجمهور في المدارج، بل كان هناك وطن صغير، حلم محمول في نغمة، صرخة محبوسة في وتر، ومدينة اسمها تونس احتضنت شابا متمردا محتاجا إلى التعبير حتى وإن ظل ركحه وطريقه الفني. مما لا شك فيه أن العرض تجاري بإمتياز فسعر التذاكر لم يكن في المتناول البتة.





3 Kommentare

Mit 0 von 5 Sternen bewertet.
Noch keine Ratings

Rating hinzufügen
سحر بوجلبان
il y a 4 jours
Mit 5 von 5 Sternen bewertet.

هل يكفي انك تكون فلسطيني من غزة او غيرها و تردح كيف ما جا باش تطلع على قرطاج ؟ لهالدرجة مسرح قرطاج بعظمته و عظمة من اعتلاه من عظماء الفن في كل المجالات تشلك و صار التر و الفر يجيه و يغني فيه؟ ... صدقا الجنسية لا تبرر !! موش باش نقول متاجرة بالقضية و لكن لعب على عاطفة الجمهور و خاصة البسيط منه الي ما يفرزش !!!! ما يجيش !!! ريتوهمشي طلعوا في جرش ولا بعلبك مثلا؟ ولا حتى في اي مهرجان و مسرح كبير اخر ليه تاريخو ؟! ما هذا ؟ الى متى باش تتشلك الثقافة و الذوق العام الي من المفروض مرتقيوْ بيه موش نطيحو بيه للحضيض !!! هاو نڤز هاو تنطط هاو كسر كرسي .. هذا…

Gefällt mir

سارة بلال
il y a 5 jours
Mit 5 von 5 Sternen bewertet.

مهرجان قرطاج وما أدراك ما مهرجان قرطاج..

المهرجان الي طلع على ركحو كبار الفنّانين وعزف

 فيه كبار العازفين العالميّين...

غنّى فيه James Brown..

 وغنّات فيه Dalida...

 وغنّى فيه Alpha Blondy...

وأطرب فيه Charles Aznavour...

و Louis Armstrong...

و Serge Lama...

و Eros Ramazotti

وفيروز...

ووردة...

ونعيمة سميح...

وعلي الرياحي...

وعليّة...

وبوشناق...

ونجاة الصغيرة...

ووديع الصافي...

وصباح فخري..

وهيام يونس..

وفهد بلان..

و ميادة الحناوي..

وفرقة الجيش الأحمر الروسي...

ومئات المشاهير..

المهرجان الي منح الكثير من المغنين العرب رخصة عبور... ومنحهم الشهرة.. رغم أحيانا محدودية أصواتهم...

مهرجان بالعراقة والشهرة هاذي الكل مش مسموح إنو يكون متاح لمن "هبّ ودبّ" إنو يغني على ركحو..

مهرجان قرطاج كان بالإمكان إنو يقتصر فقط على

العمالقة من كبار فناني العالم...كان يمكن تركو للنخبة.. لنخبة النخبة..

Gefällt mir

خميس بن يونس
il y a 6 jours
Mit 5 von 5 Sternen bewertet.

مقال رائع وممتاز

Bearbeitet
Gefällt mir
 À l'affiche
Derniers articles
Archives

    Lancé en 2014, ce site avait initialement une vocation universitaire avant de se transformer en l'un des rares espaces spécialisés dans la critique culturelle en Tunisie. Aujourd’hui, il propose des articles multimédias en trois langues : arabe, anglais et français. Pour toute information complémentaire, vous pouvez contacter Mohamed Ali Elhaou, fondateur de ce média culturel, à l'adresse suivante : elhaou@gmail.com

    Vos informations ont bien été envoyées !

    bottom of page