إعادة الروح لمسرحية "بوليس" لسلافومير مروجيك : في وشاح الكوميديا نقد وجودي عميق وعبثي وساخر
- مريم الزغبي
- 11 juil.
- 3 min de lecture
Dernière mise à jour : 22 juil.
شهد المعهد العالي للفن المسرحي يوم الإربعاء 25 جوان 2025 عرضَ محمد أولاد حمد وغسان السويسي وقد جاء هذا العمل حاملا رؤية فكرية ومعبرا عن وعي إبداعي ناضج وجيل مسرحي جديد يؤمن بأن الجمال لا يكتمل إلا حين ينهل من منابع الإلتزام وأن الفن يزاوج بين الحلم والمسؤولية.
مسرحية "بوليس" عن نص للبولوني سلافومير مروجيك كُتب سنة 1958. تتمحور المسرحية حول دولة يقودها "البيبي". هو شخصية رمزية لم تظهر في العرض لكن كل الأحداث تدور حولها.
كلما ذُكر إسم "البيبي" تجد مجموعة الفاعلين على الركح يحيونه فهو ممثل السلطة والرقابة والخوف.

بأسلوب هزلي وديناميكي تروي المسرحية إطلاق سراح آخر سجين متمرد. أدى هذا إلى أزمة وجودية داخل السجن فيشعر مدير هذه المؤسسة، الذي أتقن تسجيده محمد أولاد أحمد، أن مهامه انتهت وكأن دوره لا يقتصر الا في عقاب المتمردين على القانون. ولتعويض هذا الفراغ يصب كل غيضه وفقدانه لمعنى عمله في الرقيب. دور أداه بإتقان وتلون محكم غسان السويسي.
معضم الأحداث تدور إذن في السجن أين توجد شخصية السجين "ميم" الذي لعبه بإمتياز أديب فضلاوي. في الحبس تغيرت نظرة هذا المقموع فوجد أن خلاصه الوحيد هو إتباع مسلك "البيبي" بعد أن كان من أشد معارضية. تغيرت رؤيته بعد سنوات من العيش في الحرمان والعنف فأصرّ على أداء يمين الولاء "للبيبي" لكي يحضى ببعض السعادة.
بعد تغير سلوك السجين ونجاحه في الخروج من زنزانة المعارضة أدرك رئيس السجن أن الضحية الموالية هو زميله في العمل. إخترع إذن تهمة لزميله، رغم تفاني هذا الأخير في ولاءه للمؤسسة وتم بذلك إلقاء القبض على رقيب السجن.
الرقيب الذي طالما قضى وقته في خدمة مصالح الدولة حتى داخل عائلته يعامل أبنائه كشرطي لا كأب وظهر هذا في المسرحية عند زيارة رئيس السجن بيت الرقيب فتحضر شخصية زوجته التي أدّتها ياسمين الأجنف لتحدثه عن أسلوب عيشهم وأجوائهم "العائلية البوليسية".
رغم ولاء الرقيب الشديد الا أنه يجد نفسه داخل السجن بتهمة الخيانة. في خضم هذا التحول المأساوي تظهر شخصية "ماتراك" التي جسدها بإمتياز علي بالوافي. هو عون في السجن وأقل رتبة من بقية الفاعلين.
الا أن هذه الشخصية لم ترفق بالرقيب الذي كان أعلى منه رتبة بل تعامله معه كان أشبه بالانتقام. شخصية ماتراك أعطت رونقا جميلا للمسرحية من خلال حركيتها المفرطة وإضطرباتها النفسية. مع تقدم أحداث هذه المسرحية المليئة بالفوضى الخلاقة، تبرز شخصية الجنرال التي أدتها بكثير من الإقناع والدقة شيماء همامي.
تأتي ومعها السجين السابق "ميم" الذي أصبح صوت رسمي للسلطة ومساعدها المازج بين أفكاره القديمة المعارضة وأفكاره الجديدة الراضخة والتي ترنو إلى النجاح في تحقيق أهدافها النفعية.
في محاولة الجنرال فهم ما يجري في سجن لم يعد يعرف أي طريق يسلك وسر هذا الصراع اللامتناهي بين أصدقاء الأمس ينتهي به الأمر للحد من هذه الفوضى بإعتقال الجميع معتمدا في ذلك على أكثر شخصية مرتبكة ألا وهو "متراك".
يعزز العرض تقنية الكوميديا السوداء والأدوات الأسلوبية مثل "الكلوناكس" و"القروتاكس" لتتحول الكوميديا إلى مرآة نقدية للواقع.
لئن كان الظاهر في المسرحية هزلٌ ولّد قهقهات ضحك تشاركها الجمهور فإن الباطن جدٌّ يطرح إشكاليات : حيث تنبض المسرحية في عمقها بجدّية فائقة تحمل بين طياتها تساؤلات عن المجتمعات الشرقية والمخاض الذي تعيشه بين التحرر والتسلط. وهي تطرح هذه المسائل بطريقة راقية وفيها كثير من الذكاء في التعامل مع هذا الموضوع الحساس.
تحتوي كذلك المسرحية على نفس موسيقي حر وكاسر للقيود خاصة عبر موسيقى الريڨي التي ملأت المكان بطاقة شابة تطمح إلى غد أفضل.
قام بتأطير هذا العمل الفنان والجامعي أيمن العلان مع مساهمة ومتابعة الفنان حازم فنيرة الذي يعشق مسرحيات مروجيك الساخرة والناقدة للمجتمعات التي تعيش الاستبداد والتملق. مسرحية للمشاهدة إن كتب لها الولادة خارج أسوار المعهد العالي للفن المسرحي بتونس.





















مسرحية راقية وفيها إحترام للفن...جيل يستحق التشجيع