نعيمة عاكف مارلين مونرو العرب...شهرة كبيرة في عمر قصير
لم يتمكن الأبيض والأسود ولا تتالي الأزمات من إخفاء تلك الأنوثة الساحرة والإبداع الكبير الذي عرفت به أيقونة السينما المصرية الكلاسيكية نعيمة عاكف. تلك الفتاة البسيطة التي نشأت في ظل ظروف لا تحسد عليها وحياة قصيرة انتهت باقتراب نهاية عقدها الثالث. لكنها أثبتت من خلال تجربتها أن النجاح والشهرة لا يرتبطان بالعمر ولا بالزمن. تجربة مليئة بالإبداع امتدت على مدى ثلاثة وثلاثين سنة تلألأت فيها "لهاليبو" السينما المصرية.
لم تكن نعيمة عاكف كسائر الراقصات المصريات اللواتي أينعن وبزغ نجمهن في مصر واللواتي اكتفين بالرقص الشرقي كبديعة مصابني وتحية كاريوكا و سامية جمال اللاتي تميزن أيضا و منحن السينما المصرية سنوات من الإبداع والتألق. بيد أن "أبنة مدينة طنطا" تميزت بإتقانها لرقص الغربي أيضا إلى جانب فنون السرك والغناء. فقد كان والدها صاحب سرك وكانت العائلة تقدم فيه عروضا بهلوانية وفنية. عاشت نعيمة حياة مستقرة ماديًا لكن اليوم الفاصل في تاريخ العائلة بدأ بخسارة الأب سركه على طاولة قمار فانتهى الأمر بالأم وبناتها الثلاث في الشوارع. فيما بعد تزوج الأب من مرأة أخرى و بالتالي تفككت العائلة وبدأت مرحلة التشرد.
سلم الشهرة يبدأ بمعاناة
هربا من الجوع و كدر العيش وجدت والدة الفنانة نفسها في أحد شوارع مصر رفقة فتياتها الثلاث. ومن هنا بدأت رحلة المعاناة التي دفعت الأم إلى التعويل على مواهب فتياتها اللواتي قدمن عروضا في شوارع العاصمة المصرية لأول مرة واضطررن إلى تأجير بيت متواضع في شارع محمد علي إلى أن تعرف الفنان علي الكسار على نعيمة عاكف لتبدأ رحلة المجد في ملهى "الكيت كات" والعمل مع الراقصة المشهورة بديعة مصابني. يرتاد هذا الملهى العديد من النجوم والمخرجين السينمائيين ومنهم حسين فوزي الذي اكتشف "نعيمة" وقرر سنة 1948 تقديمها إلى الجمهور في أول ظهور لها في فيلم "العيش والملح". كما أخرج لها في السنة التي تليها فيلم"لهاليبو". بمرور الزمن أحب المخرج الممثلة رغم فارق السن وتزوجها في عام 1953. ومن شقة بسيطة في شارع محمد على انتقلت لهاليبو إلي فيلا فاخرة في مصر الجديدة وأصبح لها رصيد بنكي خاص وسيارة. أدركت ما فاتها من سنوات أهدرتها في العمل مع أبيها لم تتعلم فيها. طلبت إذن من زوجها أن تكمل دراستها. وحل ما أرادته وأصبحت تتقن ثلاث لغات وتداركت هذه الثغرة.
سنوات من العطاء الفني
قدمت نعيمة عاكف أفلام كثيرة واشهرها فيلم "امير الدهاء" و "تمر حنه" الذي شاركها فيه البطولة "دون جوان" السينما المصرية رشدي أباظة و أحمد رمزي والفنانة الرقيقة فايزة احمد والذي مثلت فيه دور فتاة المولد والراقصة الشعبية الفقيرة التي أوقعت في شباك حبها الشاب الغني أحمد رمزي لم تتوقف شهرة "نعيمة" إلى هذا الحد ولكنها استمرت في تقديم العروض الفنية حتى اختارها المخرج زكي طليمات للعمل في فِرْقَة الفنون الشعبية وقدمت بعدها أوبريت "يا ليل يا عين" تأليف الكاتب يحي حقي سنة 1956 وفي ذات العام شاركت الفنانة بهذه الأوبريت مع البعثة الفنية إلى الصين وفي سنة 1957 سافرت إلى موسكو أين قدمت عروض وحازت آنذاك على لقب أفضل راقصة عالميًا من بين الخمسين دولة التي شاركت في المهرجان.
زواج ثان ونهاية مأساوية
دامت علاقة الفنانة بالمخرج السينمائي حسين فوزي عشر سنوات انتهت بالطلاق الذي أدخلها دوامة من الاكتئاب والضغط النفسي الذي لم تخرج منه إلا بمساعدة حلمي رفلة الذي أعادها إلى الساحة الفنية. وسرعان ما تداركت نعيمة عاكف نجاحاتها. وبعد زمن تزوجت من المحاسب المالي صلاح الدين عبد العليم الذي كان مستشارها القانوني وأنجبت منه طفلا أسمته "محمد". لم يكن زوجها الثاني يرغب في استمرار نعيمة في تقديم العروض الفنية أو الغناء أو الرقص أو حتى التمثيل. وبطلب منه اعتزلت الفنانة في سنواتها الثلاث الأخيرة الفن بحجة الاهتمام بإبنها الوحيد.
عانت نعيمة عاكف من سرطان المعدة لفترة حيث تسبب لها في نزيف بالمعدة وسافرت لعلاجه على نفقة الدولة. استقرت حالتها بعض الشيء لكن المرض عاودها وبشكل أعتى وأشرس وكان الأجل المحتوم أقوى من أملها في الحياة و غادرت روحها هذه الدنيا في الثالث والعشرين من شهر أبريل سنة 1966 تاركة خلفها خمس وعشرين عمل سينمائيا ولقب أفضل راقصة عالميا. رحلت لهاليبو السينما كما أسماها زوجها الأول في عمر السادسة والثلاثين وبقيت نعيمة عاكف أسطورة الرقص والفنون الاستعراضية و هي التي كانت و ما تزال مارلين مونرو العرب بأنوثتها الساحرة وإبداعها المبهر.
جيهان زمزمي