الفنان التشكيلي عمر بن براهيم : "لست وكيلا أبحث عن مبيعات"
هو مبدع نشط ملأ الشوارع رسوما ولوحات فنية عندما كوّن مع ثلة من يبادلونه نفس الحلم مجموعة "أهل الكهف" التي اختصت في فن الشارع. عانقوا من خلالها الشغف المكبوت عند الناس للفن فتحدثوا بأقلامهم وصورهم وحناجرهم عما يتقاسمونه معهم في شارع طالمَا حلموا بأن يكون حرا ومتنورًا. هو مغني التزم بالفن المنحاز الذي لا يحايد ولا يتسامح مع الحياد فغنا للشيخ إمام عيسى وللسيد درويش ولزياد الرحباني حتى أشبع وأصدر أغنيات تغنى بها جمهوره وخلانه في عديد المحطات والرحلات. هو من جاب البلاد منظمًا عديد اللقاءات والندوات الفنية ضمن جمعية "المكان" التي تأسست منذ 2016 لتعنى بالفن التشكيلي ومريديه. هو عمر بن براهيم الفنان التشكيلي ابن مدرسة الفنون الجميلة بتونس. ارتحل منذ الصبا عبر المعارض زائرًا ويعودها دائمًا عارضا. حاورناه على هامش معرضه الذي انطلق منذ 15 جانفي ليتواصل إلى 4 فيفري 2019 بفضاء التياترو بالعاصمة. معرض اختار له من الأسماء اسم "أحسن نوّارة تقطفها" تلك الجملة التي ألهمت الفنّان لينجز لوحاته. انطلق من هذه العبارة من أغنية "صالح الخميسي" ليصنع حديقته من الزهور التي فتحها ليتبادل جمالها وطيب رائحتها مع زائريه. 32 لوحة نشرت على جدران التياترو ليرتوي برحيقها العابرون عبر أروقة الفضاء ويتنفس السائرون فن الإبداع فيها لينقلوا عدواها إلى الآخرين.
معرض "أحسن نوّارة تقطفها" 32 لوحة نشرت على جدران التياترو
لماذا اخترت هذا الاسم للمعرض وما العلاقة والتأثير الذي وجدته به؟
الفكرة في الأصل تزامنت مع حقبة مهمة في تاريخ تونس اتسمت بصراع كبير لفرض مناخ من الحريات ولا سيما بحريات المرأة. هذا المناخ الذي دفعني للتفكير للمساهمة ولإظهار المرأة خاصة بالربط مع موروثنا الأمازيغي الذي امتازت فيه المرأة بدور ريادي ومهم في تاريخنا. وكنت قد عبرت عن هذه الأفكار سابقا في أغنيات وأحسست حينها أنه قد حان الوقت لتحويل كل هذا إلى مشروع تشكيلي. رأيت إذن أن عنوان أغنية "صالح الخميسي"، "أحسن نوّارة تقطفها" هي الأقرب لتقديم ما بداخلي. وبذلك أردت أن أكرم المرأة التونسية التي أعتبرها حكيمة وعبرها أكرم كل نساء العالم اللواتي حاولت أن أقدم تجلياتهن في لوحاتي.
ماهي المدرسة الفنية القريبة لعمر بن براهيم أو الفنان التشيكيلي التي تأثرت به خلال رسمك؟
أنا في الأساس أعتبر نفسي "تعبيريا" (expressionniste) وان أردنا مزيد التخصيص ربما أختار "أميديو كليمينتي موديلياني" (Amedeo Modigliani) الذي لا أنكر تأثري بأعماله. لكنني حاولت القيام بتجربة خاصة، بنيت فيها على مكاسبي الأكاديمية لتأسيس شيء ما. ربما يتأسس الآن أو ربما أكون بصدد التأصيل له في التجارب والمعارض القادمة التي ستساهم في هذه الولادة الجديدة.
كيف ترى مكانة الفن التشكيلي في تونس وماهي علاقة الجمهور بهذا الفن؟
على عكس الكثير من الفنون كالمسرح والسينما التي تنتج خصيصا للمشاهد، يختص الرسم في كون الفنان يرسم "همومه" التي يمكن ألا يراها أحد فمثلا "فينسينت فان جوخ" (Vincent van Gogh) عرف بعد موته، فهو لم يكن يرسم ليبيع لوحاته أو حتى ليعرضها. طبيعة الفنون التشكيلية فرضت عليها أن تكون دورية عرضها محدودة وما على الفنان إلا القيام بدوره ويترك ما للجمهور للجمهور. لكن الأكيد أن درجة وعي الناس بالفنون في ارتفاع وهذا شيء محمود لكن يجب دائمًا أن يكون هنالك أشخاص تهتم بالفن التشكيلي لإخراجه للناس وهذا حسب اعتقادي ليس دور الفنّان. فالفنان يخرج أوجاعه في صور بكل ما يكلفه هذا الأمر من أعباء ماديّة وغير مادّية ولا يمكنه أن يتحول إلى وكيل يبحث عن المبيعات.
ما هي علاقة الفنان بوزارة الشؤون الثقافية اليوم أو بالأحرى ماهي انتظاراته من هذه المؤسسة؟
أنا شخصيًا أعتقد أن الفنان لا يجب أن ينتظر الوزارة للتعريف به. فعمله وإبداعه كفيلان بهذا الشيء. لجنة الشراءات وصندوق الدعم في وزارة الشؤون الثقافية لا يمكن له أن يحل محل الإبداع والخلق. وحده العمل الدؤوب قادر على فرض الفنان لنفسه. لكن من جهة ثانية اليوم تتاح أمامنا فرص عبر "الإعلام الموازي" إن صح التعبير : كشبكات التواصل الاجتماعي التي تسمح لك خلق فضائك الخاص الافتراضي مما يساهم في إيصال الأعمال للناس وهو مثلا ما دفع بإدارة فضاء التياترو للاتصال بي لتأثيث هذا المعرض وما مكنني أيضا من بيع بعض أعمالي الفنية للجمهور.
أنهينا حوارنا هذا في أروقة تزينت بلوحات جمعت نساء من كل أركان الأرض سمراوات وشقراوات ومفكرات وتائهات وضاحكات وعابسات يتبادلن النظرات ويتغزلن بالعابرين والعابرات بدعوة لتجديد اللقاء مع الزائرين والزائرات معلمين الحاضرين والغائبات أنهن ثابتات في انتظار اللاحقين واللاحقات إلى حدود 4 فيفري 2019 بفضاء التياترو بالعاصمة.
هيثم بنزيد