فيلم "ود": حين ينهار الحلم على طاولة الصحافة المهجورة
- إيمان السويلمي
- 14 août
- 3 min de lecture
Dernière mise à jour : 15 août
في سهرة 6 أوت، أغسطس، 2025 في فضاء دار سيبستيان بالحمامات، عُرض فيلم "ود" للمخرج حبيب مستيري. هو "ود" مشتق من "هان الود عليك" للموسيقار العبقري محمد عبد الوهاب جاء كصيحة وجع وألم مستمرين من يسار ترك أحلامه. هو شريط طويل يروي قصة "خليل" الصحفي المناضل الذي يشكل مرآة لجيل كامل آمن باليسار وبقوة التغيير، لكنه وجد نفسه محاصرًا بالخيبات والقمع والانهزام النفسي.
خليل ليس بطلًا خارقًا بل إنسان هش يتأرجح بين صمته وحواره المرهف مع ذاته، خاصة في مشاهد زيارته للطبيب النفسي حيث تتجلى تهيؤاته واضطراباته العاطفية في ظل تعاطيه للكحول هروبًا من واقعه القاسي المتآكل.
في قلب هذا الوجود المهجور تظهر شخصية "الصنم" في الفيلم على هيئة امرأة تتحول من تمثال جامد إلى كائن حي. هي صيغة جمالية يعبر من خلالها المخرج الحبيب المستيري عن عودة الحياة إلى المبادئ والأفكار التي طال انتظارها.

هذا التحول يحيل إلى الصراع بين الجمود واليقظة، بين الماضي الساكن والحاضر النابض، ليعكس طموحات البدايات للشخصية الرئيسة في الشريط التي جسدها بطفرة كبيرة من الإحساس الممثل أحمد أمين بن سعد و كذلك التراجعات والخيبات وغدر الحياة في ذات الوقت.
أما الفنانة المسرحية نجوى ميلاد، فهي أكثر من مجرد ممثلة، إنها ضمير الفيلم الحي، حضورها الأنثوي يحمل ثقل الذاكرة الجماعية وصمت الأمل. نظرتها الحادة، وصمتها الحاضر، يحملان ما لم تستطع الكلمات التعبير عنه، لتصبح جسدًا حيًا للألم والحنان معًا، تضيف عمقًا إنسانيًا وروحيًا للقصة، تمثل ذلك الجانب الذي يكسر الجمود ويحرر الكلمات المكبوتة.
الديكور في معظم مشاهد الشريط يروي قصته في صمت : مكاتب مكدسة بأوراق باهتة وأثاث يئن تحت وطأة الزمن، كأنه متحف للأشباح، حيث التاريخ المهجور لا يزال يعيش عبر بقايا ورق وأسماء منسية.
الكاميرا لا تكتفي بالتصوير بل تكتب ما تقترحه للمشاهدة : زوايا ضيقة تشبه ثقوب التلصص وإضاءة تتدرج بين برودة الفقد ووميض دفء خافت، تعبّر عن العزلة النفسية ل"خليل" وضغطه المستمر.
صوت الشخصيات قليل ونادر، وفي أوقات يغيب تمامًا، ليصبح الصمت حاضرًا كقصة تنطق بها المشاهد نفسها. موسيقى الفيلم تنسجم مع هذا الصمت، تكثّف المشاعر عبر أصوات البيئة : خشخشة الأوراق وأنفاس متقطعة وأصوات ناي بعيدة تحلق فوق المشاهد، تنقل حالة التوتر والهشاشة.
"ود" ليس فقط فيلمًا عن اليسار أو الصحافة بل هو قصيدة بصرية وصوتية عن الذاكرة والإنسان الذي يرفض أن ينسى، عن التمسك بحلم وسط عالم ينهار، عن سؤال دائم لا ينتهي : هل يمكن أن تعود الأصنام المؤلهة إلى الحياة ؟ وهل خليل رمز الثَّبات أم الانكسار؟
عند انتهاء العرض، عمّ الهدوء والسكون في مكان يعشق السينما، كأن الشريط لم ينتهِ بعد، وكأن كل منا حمل صندوقًا من الورق الأصفر بداخله جمل ناقصة وصورًا باهتة، و"ود" الذي لم يُكتب بعد.
وهنا، في حضرة الكلمة المكبوتة بالمرارة والممزقة بين الأمس واليوم، يبقى السؤال: هل يعيد الإنسان الحياة لما مات، أم يُبدع حياة جديدة تنبت من رماد السقوط ؟
لا يكفي أن نستدعي ذكرى الانكسار، بل لا بد من نور يكتب ما لم يُقل بعد ويشعل في القلب بذرة صمود بلا إخفاق. فالحلم الحقيقي لا يموت، بل يُولد حين نجرؤ على كتابة النهاية التي نحلم بها. ربما هذه أحد رسائل هذا الفيلم العميق لحبيب مستيري الذي يستحق فعلا المشاهدة.
شريط "ود" يدوم ساعة وخمسة عشرة دقيقة يشارك فيه كل من الممثل المبدع والمقنع في كل ظهور سينمائي جمال ساسي وخلود الجليدي وأحمد أمين بن سعد ونجوى ميلاد وتوفيق الغربي والفنان القدير مفرط الصدق في التمثيل جمال مداني.
هو العمل الثالث للحبيب المستيري المولود في الشابة في 6 يوليو، جويلية، 1959. كان قد إمتهن الإخراج عصاميا بعد ممارسة الصحافة الرياضية. التحق لحبيب مستيري بنادي سينما هواة الشابة عام 1977 حيث أخرج فيلمه القصير الأول "عودة الصياد". وشارك في صناعة عدة أفلام من أبرزها وأهمها "السوبيتكس" لنصر الدين السهيلي.
يبدأ عرض شريطه "ود" إذن بالقاعات في شهر أكتوبر 2025 وهو منجز فني حقيقي إذا ما نظرنا إلى موارده المادية المحدودة حتى وإن شابه بعض الخلل في التركيب والإضاءة.
Bravo pour l'article Imen