top of page
  • أسماء الطرابلسي

أمينة فاخت فنانة نحتت في الذاكرة الغنائية وشما يصعب محوه

عن أمينة فاخت اكتب ولعلي في كتابتي قد لبست ثوب الفنانة التي جعلت الجاذبية عنوانها وأناقة الأحاسيس ورونق المشاعر أسلوبها فلم تكن أمينة أمينة في تقيدها بالألحان والكلمات، لذلك أثارت الفنانة الحب والجدل. " الفنانة المجنونة" كما لقبها أهل الفن. هي إحدى أشهر المطربات في تونس ذاع صيتها لجمال صوتها وطرافة أسلوبها أثناء تواصلها مع الجمهور الذي يقبل عليها من كل حدب وصوب لأنها الفنانة الوحيدة والمتمردة في نظرهم التي لا تمتثل لأي من البروتوكولات الرسمية في حفلاتها؛ بل إنها امتازت بالعفوية. يبدو لي في تلقائيتها خطة محبوكة في الاستعراض وذلك في غرض استمالة المتفرجين. تلقاها تكشف عن جسدها فتلبس ما خف ليتحرر مع صوتها القوي. كما تفرد شعرها بإهمال فهي لا تهتم بمواكبة الموضة. لكن يكفي أن تشدو أمينة "سلطان حبك" فيلتهب معها الحاضرون.


أمينة فاخت مع الفنان العراقي كاظم الساهر

من هي أمينة؟


هي من مواليد باردو في ماي 1968 كانت بداياتها في الثمانينات. اكتشفها الموسيقار التونسي المرحوم عبد الحميد بنعلجية وأصبحت عضوة في فرقة مدينة تونس كما قدمها نجيب الخطاب ذات سهرة من سهرات ديسمبر 1993 في برنامجه الشهير"من غير مواعيد" أين كانت ضيفته الرئيسية صحبة الملحن عبد الرحمان العيادي. عبثية يصاحبها إغراء تصاحبه طاقة وانسيابية وحضور ركحي مفعم بالحيوية الفذة بين طرافتها التلقائية وقوة شخصيتها الطاغية على الركح حتى عند تخمرها فتسكر الفنانة وكأنها تتجرع السعادة في لحظة تلتمس مهاتفات جمهورها المشدود إليها ليتشبع بها في ضرب من التحرر ولو المؤقت.


لا وجود لسطح مدهش دون عمق مرهب. يقول جمال عبيد مدير المعهد العالي للموسيقى ومدرس آلة القانون الذي تجمعه علاقة صداقة وعمل مع أمينة فاخت أنه:"إلى جانب طرافة أسلوبها وعذوبة صوتها فقد عايشت فاخت ظروفا جد ملائمة رسمت ملامح الفنانة جعلتها بذلك تكتسح الأسواق الفنية فتتصدر المهرجانات والحفلات". كما أكد عبيد أن الموسيقار عبد الرحمان العيادي قد ساندها لتضع خطواتها الأولى في مشوار الفن، حتى "باتت تمشي على السجاد الأحمر واجتاحت البلدان العربية فتكالب عليها الملحنين" من بينهم السيد المكاوي الذي غنت له أغنية "الليل" ولاقت شهرة لم تعرف نظيرا بعد أن أطرها الموسيقار عبد الحميد بن علجية.


هي فنانة انتزعت من روحها لتضيف للفن التونسي طابعا ثائرا متجددا إذ كانت تخرج عن المألوف بتعمدها إطالة المواويل فتطرب المسامع وتخطف الأبصار بحركاتها التي قد تبدو في الظاهر عفوية ولكنها وحسب الموسيقار جمال عبيد هي "خطة محبوكة" لإستمالة الجماهير العريضة التي تزاحمت عليها وترامت من مختلف الدول العربية لتلقى الفنانة رواجا وإقبالا من النخبة ومن الشعب. جمال عبيد اختارها وصنفها إذن ضمن مجانين الفن وسلاطين الطرب. و سرعان ما أصبحت أمينة فاخت ظاهرة فنية اهتم بها الملحن بليغ حمدي ولحن لها "أنا هويت" فلاقت ذروة نجاحها في مصر وذاع صيتها في بقية البلدان العربية أين أضحت الحدث.


سر النجاح


الجاذبية ليست أحمر شفاه بلون الدم وليست بروز نهد كقمة الجبل. الجاذبية احتواء بلا افتعال بلا تصنع بلا تقمص وجه آخر هي استكانة في تلك الغائبة الحاضرة. عاقلة هي لأنها من شغف الفن قد جنت. هي ذلك السم اللذيذ تماما كلذة إفراطها لخمرة الفن هي ليست معصومة كالآلهة بل هي عجينة فنية مثيرة تغمر القلوب من إنسان إلى إنسان. سر التدفق الجمهوري على حفلاتها هو صوتها العذب وأداءها السليم الطربي خاصة في بداياتها وكذلك أسلوبها الغنائي الجامع بين التغنج و الفوضى وبين الأنوثة والقوة وبين جرأتها ورونق رقصها وغنائها. أحدثت تركيبة متكاملة من حيث العرض الفرجوي على مستوى الأداء الظاهري أو من حيث صوتها على مستوى تلاعبها بالطبقات فتتعمد بذلك المواويل المطولة وغالبا ما تستأنس هتفات الجمهور فتترك له المجال للغناء في مكانها وتسعد عند سماعها لصراخه تعبيرا عن عشقه لها فتنتشي. هكذا نجحت أمينة فاخت في كسب قاعدة جماهيرية عريضة فأجمعت الذائقة الفنية على تفرد أسلوبها.



لأنها الفنانة التي لا تهتم لأي من الموانع الاجتماعية تلقاها أحيانا جاثمة على ركبتيها أو تستلقي على ظهرها على أرضية المسرح من بعد تعب. تصدر منها ضحكات وٱهات فتقبل أحد الحضور وتعانق آخرين عناقا مطولا. سحر الفنانة يغلب جمهورها فيستهويه ليصير مرددا أغانيها في جو يكتنفه الانسجام والتكامل بين الصوت والصورة فتفرز الفنانة دلالها وغنجها حتى تترجم كألحان تصحبها كلمات تخاطب في المستمعين عمق اللذة فتكرر أداءها في أسلوب حلو يزيد الهاب الذائقة التي تماهت مع إيقاع جسدها وترانيم صوتها فتلبس أمينة فاخت تاج سلطنة الإغراء والعشق لتصير حبا يتجسد في إنسان يسمي الجمال جمالا. إنسان يهرب من كل قبح يراه. أمينة فاخت المبدعة ما عادت تخشى الغرق إذ صار جمهورها يقدس هذا الجمال الخطير ويعشق في حضرتها روعة الكلمات وهذا ما أكدته عينة في التقرير المصاحب .


تقرير أسماء طرابلسي حول مسيرة أمينة فاخت


رأي المختصين في مسيرتها


يغلب الطابع المزاجي على الفنانة أمينة فاخت وهذا بشهادة الدكتور والموسيقار عبد القادر الجديدي الذي اعتبرها "فلتة زمانها" شأنها شأن ذكرى محمد فأشار بالحديث عن قدراتها الصوتية الخارقة و طاقاتها في تلوين الطبقات وأكد أن أمينة فاخت "فنانة ولكن ذات صوت جاهل" على غرار ما قاله الأستاذ جمال عبيد بل وأعرب عن تقصيرها في العناية بهذه الموهبة وتطويرها، "فهي لم تحافظ على هذا الصوت من خلال التدريبات على تطويع خاماتها الصوتية" وأرجح بالحديث أنها "لم تدرس أبجديات الموسيقى قط إضافة إلى إفراطها في شرب الخمر والتدخين". طريقة العيش هذه أتلفت أحبالها الصوتية المحضة وصار هناك ما يشبه التلوث السمعي عند التمعن في غنائها في أواخر مسيرتها الفنية بالرغم من قوة صوتها.


كما يرى عبد القادر الجديدي أن تعريها على المسرح مفرط فيه ومبتذلا أثناء اعتلاءها الركح والذي لم يلق له مبررا بل واعتبره ضربا من ضروب السخافة. الفنان في نظره ثبات وركيزة تشكلان نموذجا يحتذى به وذكر على سبيل المثال علي الرياحي والهادي الجويني و محمد عبد الوهاب ولطفي بوشناق كرموز فنية خالدة ذلك لثبات خطاهم. أمينة حسب نظره "لم توفق في العناية بصوتها من جهة ولم توفق في اختيار أصدقائها والدائرة المحيطة بها" هذا كما أهملت الجانب الشكلي والمضموني مما جعلها غير قادرة على مواصلة الدرب الفني رغم أنها تجيد جميع الألوان الموسيقية بصوتها والأشكال الركحية. حسب الجديدي رغم روحها الحية إلا أن عمرها الفني بدا قصيرا لإنها لم تستطع تجديد نفسها على غرار "ماريا كاري" و "فيروز" على حد تعبيره اللتان ما تزالا تنتجان إلى حد هذه الساعة.


سجل عريق رغم شح الإنتاج


غنت أمينة فاخت على مسرح قرطاج الأثري سنة 1999 ثم سنة 2004 مع الموسيقار الفرنسي ستيفان برتران فحصدت نجاحات كبيرة ففي رصيدها ستة البومات "انت مرادي" و"إله الكون" و"ما حصلتش" و "ولا مرة" و"سلطان حبك" و"مستغربين". حاليا تكتفي فاخت بترديد أغنيات قديمة من طربيات المشارقة وحتى التونسية التي تقوم بانتقائها وتتولى أدائها بأسلوبها المتفرد والقوي المطرب وفي هذا السياق حصل بينها وبين ملحم بركات خلافا عندما استولت على أغنية "ولا مرة" دون استشارته.


يقول نجيب الخطاب عن أمينة فاخت :"هي ليست فنانة من عظم ولحم بل هي إنسانة تكونت من حرية وجنون وعشق وتدفق وثورة وشغف كسرت الجمود الروتيني والخمول الرتيب وسحقت الكبت وأطلقت العنان للرقص وللغناء". غابت أمينة فاخت عن المسارح لكنها حفرت في الذاكرة الجمعية وشما يصعب محوه فهي فنانة غيرت وجهة الأغنية التونسية الكلاسيكية وأضفت عليها طابعا ثائرا متجددا وأدخلت عليها صخبا ورونقا جميلا ومثيرا. هي المطربة القوية التي في قوة فنها حس مرهف يعزف لحنا جريئا متجددا يكسر السائد ويفتح أبواب الانعتاق.

أسماء الطرابلسي

 À l'affiche
Derniers articles
Archives
  • Facebook Basic Square
  • Twitter Basic Square
  • Google+ Basic Square
bottom of page