دار بن عاشور...تاريخ من الأصالة و العراقة

في رحاب المدينة العتيقة وأنت تجوب أروقة الأنهج المتداخلة تعترضك دار بن عاشور الرابضة في أول الطريق المؤدية إلى نهج الباشا شامخة كشموخ جبال الأندلس مفعمة برائحة الأصالة المستمدة من تاريخها العريق .

من قلعة تاريخية إلى مكان للمعرفة و التعلم دار بن عاشور هي واحدة من أقدم الدور الرابضة بالمدينة العتيقة كانت على ملك عائلة بوعتور وهي عائلة أصيلة مدينة صفاقس غير أن جذورها الأولى تعود إلى الأندلس. هذا المكان يعتبر قلعة للأصالة و التاريخ. دار بن عاشور تعد أيضا فرعا من دار سيدي عبد الكافي التي بدورها ترجع جذورها إلى أنصاف القرن الثامن عشر. بين الأصالة و التاريخ، تحمل دار بن عاشور طابعا سياسيا ينضاف إلى ما تزدان به من عراقة. إذ مثلت المهد الذي ترعرع فيه الوزير الأكبر في ذلك الوقت محمد عزيز بوعتور. وأنت تجوب بناظريك أركان دار بن عاشور، تستوقفك زخرفات فنية و لوحات فسيفسائية تعكس جليا ما تزخر به هذه القلعة الشامخة بتاريخها من حسن تناسق في البناء و جمالية في الذوق. وفي تعاقب للأجيال مثلت دار بن عاشور مهدا احتضن ميلاد العديد من الشخصيات التي تركت طابعها في التاريخ التونسي مثل الشيخ الطاهر بن عاشور أو "شيخ الإسلام" كما يسمونه و الشيخ محمود محسن إمام جامع الزيتونة و الشيخ الفاضل بن عاشور.

ورغم إنتقال العائلة المالكة لدار بن عاشور إلى مدينة المرسى فان أبوابها لم توصد و لم يمحى منها طابعها التاريخي العريق فقد استأجرها الشيخ محمد بوعتور إلى حدود بداية القرن التاسع عشر أين تم بيع دار بن عاشور لبلدية تونس بعد الاستقلال لتصبح منذ ذلك الوقت على ملك الدولة و تبعث بداخلها "مكتبة مدينة تونس" التابعة لبلدية تونس والوحيدة في البلاد لما تزخر به من كتب قيمة تتضمن تاريخ مدينة تونس و معالمها و شخصياتها التاريخية. كما لاتزال هذه المكتبة وجهة لطالبي المعرفة من باحثين و طلبة و تلاميذ و منبعا ثريا يحاكي التاريخ. لم تقتصر دار بن عاشور التي غدت فضاءا لطلب العلم و المعرفة على نشاط المطالعة و المراجعة التي كانت تميزت به منذ ما يزيد عن نصف قرن بل شهدت أيضا انفتاحا ثقافيا انضاف إلى إرثها الفكري الزاخر لتصبح في غضون السنوات الفارطة مجالا لإقامة المحاضرات والندوات وتنظيم المعارض و الحفلات و الزيارات لكتاب أجانب ومحليين.

رحاب مبروكي، ربورتاج روعة علاقي وسام يحي و سيرين شرميطي مع المؤرخ عبد الستار عمامو