أيمن علان مسرحي وأستاذ محاضر بتونس : هذا الجيل الذي يتخرج كل سنة من المعهدين بالكاف وتونس سيكون هو الصورة التي يبنى عليها صرح الثقافة المسرحية الجديدة

أيمن علان هو من مواليد 14 أكتوبر 1977 بدمشق. اليوم هو من أهم الأساتذة بالمعهد العالي للفن المسرحي بتونس أين يشغل خُطَّة أستاذ محاضر. هو أيضا فنان إلى حد بعيد إذ شارك في أيام قرطاج المسرحية للمرة ثالثة عشرة. في هذه السنة يشارك بعملين : "سترة من المخملين" و"شيئ ما في الحديقة". سعينا لمحاورته للمجهود الجبار الذي يقدمه للجامعة التونسية ولطلبتنا منذ عقد من الزمن على الأقل. هو يشتغل لمدة طويلة في صمت ودون أن يحدث ضجيجًا إعلاميا من حوله. كان الحوار معه كالآتي :

تحتفي الدورة الخامس والعشرون لأيام قرطاج المسرحية بالمسرح السوري. هذا المسرح في العالم العربي هو فعلًا سباق حيث نشأ منذ أواسط القرن التاسع عشر. هو مسرح عُرف بأسامي مبدعة دخلت تاريخ هذا الفن وخلدت في الذاكرة العربية مثل: آل النقاش وأحمد أبو خليل القباني وسليمان القرداحي وإسكندر فرح. وفي مرحلة لاحقة برزت أسامي مثل : علي عقلة عرسان ووليد إخلاصي وفرحان بلبل وممدوح عدوان ودريد لحام وسعد الله ونوس وأسعد فضة. تلى هذا الجيل جيل آخر مبدع مثل أسامة غنم ورغدة الشعراني وعمر سعادة وغيرهم ممن أسسوا للتجربة المسرحية في سوريًا. في ظل هذا الزخم كيف اقترب أيمن علان من المسرح؟

لقاء مع الباحث في العلوم الثقافية والفنان أيمن علان©Elhaou

في البدايات طبعا كان الاهتمام كبير في سوريَا بالفن عمومًا والمسرح بشكل خاص. اقتربت من المسرح منذ التعليم الابتدائي فالثانوي. كانت الدولة السورية تهتم بالفنون الدرامية والركحية وتعمل على جعل المسرح ثقافة شعبية. بهذه الإرادة إذن نجد هنالك المسرح المدرسي فعال بشكل جيد. وفي نفس الوقت توجد سياسة تنمية المهرجانات. هذه المهرجانات تقيمها الدولة للاحتفاء بالمبدعين والكفاءات في ميدان الفن عمومًا. لذلك توجد مهرجانات قريبة من الناس مثل مهرجان "اتحاد شبيبة الثورة". مثل هذا المهرجان يُعنى بالطاقات الإبداعية الناشئة شأنه شأن "منظمة طلائع البعث" مما خلق متسع من الوقت للاهتمام بالمواهب في ميادين الرقص والدراما والغناء. ثم فيما بعد هناك المعهد العالي للفنون المسرحية بدمشق والمعهد العالي للموسيقى. تكونت في هذه الأمكنة في قسم البالي (Le ballet) مدة أربع سنوات ومن ثم دَرّسْتُ بداية من 2005 فيه بصفة معيد ومساعد للخبراء الروس. بعدها جئت إلى تونس سنة 2007 لمتابعة دراستي في الماجستير علوم ثقافية ثم في مرحلة الدكتوراه. طبعا تكوين المعهد العالي للفنون المسرحية بدمشق بأقسامه في النقد المسرحي والدراسات المسرحية وقسم التمثيل وقسم البالي ثم فيمَا بعد قسم السينوغرافيا يُمًكِنُ من اكتساب العديد من المهارات والمعارف ذلك لأن أغلب المكونين تمكنوا من معارف خارج سوريا ثم عادوا لترسيخها لدى المواهب الجديدة. التكوين الفني في سوريَا هو قائم كذلك على الخبراء الروس. شخصيًا من درسني هم أساتذة من روسيا مثل ألبينا بيلوفا Albina Belova المختصة في الرقص المسرحي و لودميلا ڨاڨينا و أننا تشومبليكوفا Anna Chomblikova. مع اختصاص البالي كنا ندرس التمثيل ونتعامل مع الإيقاعات المختلفة والركح بشتى أنواعه. في التكوين الذي تلقيناه في سوريا هناك مواد مشتركة بين قسمي التمثيل والرقص الذي هو في الحقيقة مسرحي خاصة في الطريقة الروسية. عندما درست كمعيد كنت مع الفنان فايز قزق الذي تعاملت معه أكاديميًا وشاركنا مع بعض في تأطير مشاريع تخرج و تعاملت معه حرفيًا خاصة في الكوريغرافيا. كما تعاملت فنيا مع المخرج مأمون الخطيب.

ماهي خصوصيات المسرح السوري؟

المسرح السوري منذ ستينيات القرن الماضي يواكب بشكل كبير تطور المسرح العالمي ولا سيما ما يحدث في القارة الأمريكية وأوروبا. وهناك متابعة لصيقة لمسرح ما بعد الحداثة والخروج من الفضاءات التقليدية. على سبيل المثال كان هناك مشروع تخرج شاركت فيه مع المبدع فايز قزق سنة 2005 يحمل عنوان "حلم منتصف ليلة صيف". هذا العمل عرض خارج الأسوار التقليدية وذلك في حديقة تشرين بدمشق وقد تم العمل على تحضير ذلك الفضاء مدة ست أشهر.

"شئ ما في الحديقة" سينوغرافيا و إخراج أيمن العلان ضمن فعاليات مهرجان - أيام قرطاج المسرحية

أنت تشارك بعرضين هذه السنة في أيام قرطاج المسرحية، لو تحدثنا عن هذه المشاركة؟

أولا هي ليست أول مشاركة لي فأنا موجود بأعمالي مع الطلبة منذ 2010. بدأت في عرض أعمالي منذ كنت أدرس بالمعهد العالي للموسيقى والمسرح بالكاف. ومنذ انضمامي لأسرة التدريس بالمعهد العالي للفن المسرحي بتونس وأنا أقدم أعمال بشكل سنوي تقريبًا بالطلبة وللطلبة وبإمكانات بسيطة وفي نفس الوقت قيمة. منذ بداياتي في التدريس في الجمهورية التونسية سنة 2010 كان ولا يزال لدي إيمان عميق بضرورة تشريك الطلبة في مهرجانات محترفة وعريقة مثل أيام قرطاج المسرحية. لأن هذا الجيل الذي يتخرج كل سنة من المعهدين بالكاف وتونس سيكون هو الصورة التي يبنى عليها صرح الثقافة المسرحية الجديدة. من خلال عملي كمسرحي أسعى جاهدا إلى جعل الثقافة المسرحية ثقافة شعبية بامتياز. في وطننا العربي إن كنا نريد إذن أن نرتقي بشعوبنا يجب أن نجعل من الفنون، جميع الفنون، ثقافة قريبة من الناس وليست ثقافة خاصة بالنخبة. للإجابة على سؤالك، هذان العملان ينبعان من ورشة أدرسها تسمى تمثيل وارتجال. الارتجال يعتمد أساسًا على تقنيات علمية نذكر منها تقنية فيولا سبولاين Viola Spolin وكيث تجونستن Keith Johnstone و روبيرتو تشولي Roberto Ciulli  و روث زبورا Ruth Zaporah وغيرهم. مع العلم أن هذا الدرس يبنى على مقترح عام يترجمه الطلبة إلى وضعيات درامية وجمالية اعتمادًا على منهج داريو فو Dario fo. مثلا في العام الماضي كانت التيمة الرئيسية هي "جرائم الحب". هذا العام الموضوع الرئيس المطروح هو نابع من نصوص مسرحية عالمية. النص المرجع هو "أرض النفاق" لجايلز كوبر Giles Cooper وكذلك نص مسرحي آخر لستانيسلاف ستراتيف Stanislav Stratiev اسمه "سترة من المخملين". يوجد نصوص أخرى معتمدة في الدرس لكن النصوص المشاركة في الدورة الخامسة والعشرون لأيام قرطاج المسرحية هي التي ذكرتها لك. أدعوك إلى مشاهدة العرضين والحديث أكثر مع الطلبة. أهم شيئ هي الفكرة التي تتسرب إلى الذهن ثم تدخل إلى القلب ثم تتماهى مع الروح ومنها إلى الجمهور. في كل هذا فكرة الحرية دون قيود مهمة جدا في عملنا كفنانين عرب.

حاوره محمد علي الحيو