الدربوكة في عالم روني برّاك : نقرة تأسر القلوب
صدق نيتشه عندما قال: "لولا الموسيقى لأصبحنا تعساء" فالموسيقى فن والفن تجديد وبالتجديد تستمر الحياة. الفن يمسح عن الروح غبار الحياة اليومية قالها بابلو بيكاسو وأكدها هروبنا المستمر من ضغوطات "اليومي" إلى أحضان الفن، أين نتنفس إبداعا وننتشي موسيقى. الفن بكافة أشكاله من غناء ورقص وشعر ومسرح وموسيقى غذاء للروح المنهكة، الروح التي تتوسل جرعة من السعادة لتحيا مجددا.
لكل فنان بداية ولكل آلة موسيقية حكاية. ومن قال إن الأنامل الذهبية حكر على مستعملي الآلات الموسيقية الحديثة؟ هناك على أعرق الركوح العالمية يجلس المؤلف الموسيقي وعازف الإيقاع اللبناني المبدع "روني برّاك"، هو الذي غير فكرة المجتمع وهو الذي قام بالاستثناء ودمج بين ما لا يدمج. ما من مهرجان أثثه إلا وحصد إعجابا وانبهارا كبيران من المتفرجين، فمتى بدأ روني بالنقر على الطبلة بأصابعه ارتعشت الأجساد تناغما معه وسافرت المخيلات إلى عوالم أخرى منشودة.
روني برّاك في عزف منفرد على الدربوكة، أم الإيقاعات
الدربوكة أو الطبلة في قلب الموسيقى السمفونية
هي ثنائية لا تقبل الزواج ولكن "روني" جمعها وقدمها إلى جمهوره في أبهى حلة. عاشق، مجنون ومجدّد هكذا يصف "براك" نفسه في كل لقاء إعلامي. فهو عاشق لثنايا الموسيقى منذ الطفولة -حين كان يحول أدوات المطبخ إلى آلات إيقاعية إذ فاز في السابعة عشرة من عمره بالميدالية الذهبية في برنامج للهواة على محطة لبنانية ذائعة الصيت- وهو مجنون دائم البحث عن مظاهر الغرابة بغية تطويعها لصالحه ومجدّد يمزج بين النكهات الشرقية والغربية لينتج جوهرة مكنونة تضاف إلى ملف الإبداع العالمي. ولا شك أنه لم ينس أبدا إحساس الفوز بفضل مجهوده وعبقريته اللذان جعلاه طوال الوقت على مقربة من النجاح. فقد توج المؤلّف الموسيقي وعازف الإيقاع آخر جولاته الفنية بنجاح كبير بعد أن عزف مع أهمّ وأفضل الأوركسترات الكلاسيكيّة السمفونيّة في العالم وهي "London Symphony "Orchestra وذلك على مسرح "Philharmonie de Paris" في العاصمة الفرنسية باريس.
إضافة إلى كونه لاعب دربوكة رائد في العالم فقد جمع بنفسه مجموعة آلات قرع فريدة من نوعها وأدرج في أدائه آلات غير مألوفة مثل قطع غيار السيارات وآلات مصنوعة من الحديد وأخرى من الفخار وأخرى انصهر فيها جلد بعض الأسماك البحرية، ما يدل على قدرته على خلق تركيبات وإيقاعات متناغمة من الأشياء المتوفرة لدى الجميع.
عين الفنان ليست كعين الشخص العادي. جل ما أراد "براك" تأكيده من خلال تجارب دامت أكثر من ربع قرن هو أن النمط الشعبي لا يقل قيمة عن الأنماط الموسيقية الأخرى.
نشأة الدربوكة
فالطبلة جسم من الفخار أو المعدن وفي الحالة الأخيرة يحتوي على مفاتيح تمنع الجلد من الارتخاء إذ يستعمل العازف يده للضرب على الطبلة وتسمى الضربة القوية "دم" والضربة الخفيفة التي تكون على الحافة "تك". بهتين الصورتين يعزف العازف الموازين ويضبط القطع الموسيقية. وهي آلة من بين الآلات الموسيقية ذات النشأة القديمة جدا، كما لها مكانة كبيرة في الموسيقى العربية والفارسية والتركية. ومن هذه المناطق انتقلت الدربوكة وأصبحت تستعمل على نطاق واسع في أوروبا واسيا وأمريكا وجابت كل العالم بفضل "براك" وأمثاله من المبدعين.
رحمة سياري