top of page
صابرين كعبي ونسرين بريك

تجديد المالوف: ألفتنا في مالوفنا

اختتمت مساء الأحد 29 ديسمبر على الساعة السادسة مساءًا بمسرح الجهات في مدينة الثقافة بتونس فعاليات الدورة الثانية لموسم الموسيقى التونسية 2019 بعرض موسيقى يتضمن وصلات من "المالوف" و "الطبوع" في تنفيذ موسيقى لفرقة ترانيم بقيادة المايسترو عزالدين الباجي المدير التنفيذي لموسم الموسيقى التونسية. يندرج هذا الحدث ضمن سياق فني جعل من المالوف، الذي يمثل تراثنا وأصالتنا الفنية، شبه غائب. يقتصر حضوره فقط في بعض الحفلات والمهرجانات الموسمية. وإن هوية المالوف المركبة، وجذوره الحضارية المتفرعة بين الخصائص المشرقية والأندلسية والمغاربية والعثمانية، لا تنفي وجود بصمة وإبداع وطني خالص. لننتقل بذلك من درجة النقل العقيم للمالوف إلى الإبداع والتغيير الفعلي المباشر. وللغوص أكثر اخترنا أولا العودة على الحدث المتمثل في موسم الموسيقى ثم زيارة المعهد الرشيدي أو"الراشدية" بتونس للغوص في تفاصيل هذه الموسيقى الأصيلة والطربية.


تدريب لعرض المالوف بتونس العاصمة يوم 22 أوت 2017


موسم الموسيقى هو مشروع ثقافي جديد يهتم بالأغنية المحلية بشتى أنواعها كالموسيقى ذات الطابع العصري و الموسيقى ذات الطابع التراثي الكلاسيكي و أيضا الموسيقى الشعبية. هذه التظاهرة مناسبة لتواصل مختلف الأجيال و تحث الشباب على المشاركة في مجال الشعر و التلحين و الغناء. كما أن موسم الموسيقى سينتظم كل مرة في إحدى ولايات الجمهورية و ذلك بغرض الانفتاح على كامل ولايات الجمهورية و تفعيل اللامركزية. المالوف التونسي هو إذن ما تم التركيز عليه في حفل اختتام الدورة الثانية لموسم الموسيقى لهذا العام.


المالوف نقطة ربط وأرضية للابتكار


يمثل المالوف الموسيقى التقليدية المحلية ويشمل سائر أنواع الغناء التقليدي والمتقن. تعتبر النوبة أهم مقومات المالوف والموسيقى التقليدية عموما مع ما يتعلق بها من ملحقات، كالموشح كنمط شعري والزجل الذي يتميز بالعبارات المأخوذة من اللهجة العامية والشغل ذو اللحن الذي تمتزج فيه جوانب من الغناء الأندلسي والتركي. أما فيما يخص الآلات الموسيقية المرتبطة بالمالوف التي تنتج نوباته فهي تضم آلة النفخ، الناي، وآلات وترية هي العود والرباب والكمنجة. كذلك آلات الإيقاع هي الطار والدربوكة والنغرات. ويمكن لآلة القانون كذلك أن تكون حاضرة ضمن هذه القائمة. عدد من الملحنيين التونسيين كان لهم إضافات ابداعية على المالوف منهم خميس الترنان الذي أضاف نوبة مالوف جديدة تحت مسمى "نوبة الخضراء" لتكون بذلك النوبة الرابعة عشر وأضاف صالح المهدي النوبة الخامسة عشر لرصيد تونس من نوبات المالوف الجملية الموزعة بين الجزائر وليبيا والمغرب وبلادنا. كذلك قام أحمد الوافي بوضع عدة ألحان من أبرزها الموشحين "يا لقوم ضيعوني" و "قاضي العشق" وغيرها. كما ابتكر طريقة تحويل مسار اللحن إلى موشحات. تتجلى البصمة التونسية كذلك في معزوفة خميس الترنان المعروفة "بشرف نوى" ذات قالب تركي ولكن بنغم محلي خالص.


تحديات وكفاح


بالرغْم زخم تاريخ المالوف ومجهودات من سبقونا من المهتمين به لتثبيت موقعه في تاريخنا وتراثنا ومنعه من الاندثار، فإنه اليوم يشهد تراجعا وتحديات كبرى سواء على مستوى الإقبال عليه كمجال موسيقي للتخصص فيه والعمل على نقله بين الأجيال أو على مستوى تعزيز الإقبال الجماهيري وتكثيف وجوده في الساحة الفنية. في الحقيقة، نحن اليوم أمام سيطرة الموسيقى الغربية و نفور الشباب عن إتقان و تعلم موسيقى المالوف. إن غرس هذا الموروث الثقافي لدى الشباب هو حفاظ على هذا النمط الغنائي العتيق من خلال إحياء تظاهرات خاصة بالموروث القديم. أصبح ظهور هذا الغناء مقتصرًا على بعض الحفلات والمهرجانات الموسمية مقارنة بالاكتساح الذي نشهده من الأنماط الموسيقية الأخرى خاصة الأجنبية. وقد يعود ذلك إلى تقصير الهياكل المعنية في التعريف والتذكير بمالوفنا والعمل على مواكبة التطورات. فمثلا مدينة الثقافة بالعاصمة لا تحتوي قسما خاصا بالمالوف رغم أهميته كموسيقى تقليدية تونسية. ومن جهة أخرى فإن بعض المجهودات التي تضم المعهد الرشيدي وأخرى فردية ما زالت تبذل وتكافح من أجل هذا الموروث الموسيقي لكنها تبقى محدودة في حاجة للدعم.


تحقيق لنسرين بريك حول موسيقى المالوف بالمعهد الرشيدي بالعاصمة (4-12-2019)


"النوبة "و"الزيارة" و"المالوف" بصفة عامة، موسيقى ومقطوعات غنائية تهز التونسي كلما بلغت مسمعه وهو ما يثبت أن ذائقتنا الفنية قد انفتحت على أنماط أخرى لكنها تبقى متشبثة بموروثها الموسيقي التقليدي.

صابرين كعبي ونسرين بريك


 À l'affiche
Derniers articles