top of page
أنس بوقشة

أمينة الصرارفي : تأنيث العزف في مجتمع ذكوري

أسمح لي أن أنتزع و لو قليلا من غرورك كرجل ... دعني أمارس حقي كانسان مكتمل لا كأنثى تناضل رمزيا لتفتك حقوقا قد قررت التنازل عنها، لن أسير وفق المعهود ولا السائد و لن أنصاع لحكم العادة، وجودي بينكم لن يكون أبكم لن أكون ظلا ولن أسمح لموسيقاي أن تنكس نفسها لأهوائكم.


هكذا فكرت أمنية الصرارفي عازفة الكمان المحترفة أو هكذا خيل لي وأنا أتتبع مسارها في كسر قواعد المجتمع ألذكوري و نحت ذاتها لا كمحبة عابرة للموسيقى و الكمان بل كأيقونة موسيقية حجزت لنفسها مكانة متميزة في المجال الموسيقي في تونس و العالم العربي، كرمز من رموز الحركة النسائية التي ناضلت في شتى الميادين لاستئصال ورم التفكير ألذكوري من عقل المجتمع.


نص وتقديم درة عبد القوي

أمينة الصرارفي : مسيرة من أولها لأخرها، موسيقية


حملت أمينة الصرارفي جينات أبيها قدور الصرارفي عازف الكمان المتميز، لتدرس الموسيقى ثم تتحصل على شهادة في الموسيقى العربية عام 1979 و الجائزة الأولى للكمان و اكتمل مشوار أمنية الدراسي لتتخصص كباحثة في علم الموسيقى. درست أمينة الصرارفي الموسيقى لعقد من الزمن بالتوازي انتمت للفرقة السيمفونية التونسية سنة 1982 كعازفة محترفة للكمان ضمن ألمع الموسيقيين التونسيين آنذاك، تميز الصرارفي مكنها خوض تجارب تلفزية و إذاعية في مؤسسة الإذاعة و التلفزة التونسية و انتخبت أيضا عام 1997 كرئيسة لهيئة الموسيقى بالمجلس الدولي للمرأة لتصير رمزا عالميا للموسيقى النسائية.


ثارت أمينة الصرارفي على الحضور الأحادي للرجل في الفرق الموسيقية الأكاديمية لتؤسس أول فرقة أكاديمية تعتمد كليا على الحضور النسائي عزفا و غناء، عملت الصرارفي بمعية زوجها فيصل القروي المستشار الفني للفرقة و الملحن على تحديث الموسيقى الكلاسيكية العربية و خلق نمط خاص بالفرقة. رافقت الصرارفي كمانها في أغلب عواصم العالم وسجلت حضورها في أهم المهرجانات دولية، كقرطاج والحمامات وجرش.

الصرارفي "البنت" أول قائدة لفرقة نسائية صرفة

افتتاح مهرجان المدينة سنة 1992 كان فرصة ظهور أول فرقة موسيقية كلاسيكية نسوية التركيبة في العالم العربي تحت قيادة أمينة الصرارفي حملت تسمية "العازفات". أثبتت الصرارفي بعد تقديم عرض ناجح في هذا المهرجان أمام جمهور ذهل فور دخول نساء مزينات باللباس التقليدي التونسي حاملات لمختلف آلات العزف أن الوقت قد حان للريادة الموسيقية النسوية.

زيارة لمقر عمل الفنانة أمينة الصرارفي صحبة الطلبة، نوفمبر2016


و منذ أمسية مهرجان المدينة أسست أمينة الصرارفي مفهوم المرأة الموسيقية بمعزل عن الرجل المهيمن، خاصة في الفرق الرشيدية ورغم صعوبة تقبل موسيقيات الفرق للقيادة النسائية نجحت أمينة الصرارفي في فرض نفسها كمايسترو و حافظت على استمرارية المشروع وسط سخط ذكوري نسبي. عملت الصرارفي منذ لحظة تركيز "العازفات" على إبراز المستوى الاحترافي للموسيقيات ,في فرقة أكاديمية تحترف الأداء المسرحي محليا و دوليا و هو ما بدد صورة المرأة الموسيقية التقليدية العاجزة عن قراءة "النوطات" و المعتمدة كليا على الإيقاع السمعي.


معهد قدور الصرارفي للموسيقى و العزف تجربة أخرى تقودها أمينة لأول مرة في تونس


في زيارة خاطفة إلى معهد قدورالصرارفي الصرح الموسيقي الذي أسس سنة 1988 على يد الموسيقية الوفية لسقي شجرة الموسيقى الحديثة ومنحها الحياة في بلد يعيش التحديث على كافة المستويات وجدنا أمينة الصرارفي بإرادة لم تبددها السنون بل تحولت إلى مصدر الهام للناشئة التي شغفت بالموسيقى وعرفت ما فيها من روح وما تمنحه من حياة.


في مشهد يجسد انتقال الثقافة من الأصل إلى الفرع وقفت أمينة أمام نحو عشرين طفلا تضبط أنفاسهم على إيقاعات "النوتة" وتقف حارسة على صحة النطق وجماليته عند مخارج حروف كل طفل منهم. كان الموسيقية الرائدة تؤسس جيلا موسيقيا يؤبد الفن في تونس ويخلد ذكرها كمرجع للإبداع والإلهام. على ضيق مساحته كان المعهد يضج بالحياة، حياة تنبعث من فتية يتسابقون لحمل الآلات الموسيقية وعزف أولى المقطوعات. ففي قاعة ضيقة أخرى تلاصق فتية آخرون يحملون "الدربوكة" ليضبطوا عليها إيقاع المقامات التي يلقنهم إياه قامة موسيقية تونسية أخرى شارك أمينة الحلم لصقل جيل جديد مرهف وشغوف بالموسيقى.


أمينة الصرارفي التي قدمت كثيرا للموسيقي التونسية ولازالت تقدم لا يمكن أن نعتبرها مجرد فنانة نجحت في توطيد علاقتها بجمهورها بل هي ظاهرة موسيقية شاملة عملت بصبر و ثبات و فردت جناحيها لتقول للعالم أنها بصوتها و كمانها وإرادتها أقوى من أن تكسر و أقوى من أن تهزم.


أنس بوقشة


 À l'affiche
Derniers articles