top of page
  • أسماء الطرابلسي

القمبري: آلة موسيقية أغتيلت مرتين

آلة القمبري الآلة الإيقاعية الوترية المنسوخة عن آلة القيثار والتي تمتاز بطابعها البربري الصحراوي الامازيغي. هي ليست لغزا من الأساطير الملتبسة بل هي من سرائر الوجد حيث نرفان الحالمين العاشقين. هي بصمة على الروح لا تتكرر. هي ليست إيقاعات فارغة ولا أوتارا أنينه تفتش إعجابك وتقضب دواليب خباياك بل هي معزوفة عميقة كالهاوية بريئة كالفردوس كسرعة الضوء تخترقك دون أن تكسر نوافذك كرياح تداعب أشرعتك... هكذا كما وصفها كبار عازفيها والباحثين فيها.


موسيقى السطمبالي والقناوة في تونس هي من بين الموسيقات الجريئة والمتمردة التي دافعت على قضايا ملحمية وشاعرية رمانطيقية والتي ارتبطت ارتباطا وثيقا بالجانب العلاجي والروحاني وحتى القيمي و الفني الجمالي. غنت في أغراض الغزل والنجع والأشعار وعالجت القضايا الوطنية واستدعت آلات إفريقية ذات طابع صحراوي من بينها القمبري الذي زاوج بين الإيقاعات والأوتار ليسافر بنا الى عبق الأجداد.



القمبري سلطان السطمبالي


نجد في ميدان الحفل حضورا لآلات إفريقية اجتمعت لتكون نوعا من "الربوخ الشعبي " مثل الشقاشق وتسمى القرقبو و اللوتر والشنة والجامب والدرابك والدف والطبل و نجد أيضا القمبري أو القنيبري أو القوقاي أو المندولين أو الفكرون كلها تسميات لعويشة الآلة المغربية أو القمبري التونسي الذي اكد الباحث الآلات الإفريقية زهير قوجة أن آلة القمبري تعود إلى اصل تونسي أمازيغي. ويقول في هذا السياق" إن ما يزيد في حرقتي ولوعتي هو غياب الجانب التوثيقي والأرشيفي في تونس فيغيب الاختصاص ويغيب معه التنقيب والتحري عن أصل الأشياء حتى نصل إلى تقصي أسباب عدم رواجها في المشهد الفني الموسيقي اليوم الذي يبدو انه قد اقبرها مع يناته المراحيم. لقد أصبح السطمبالي يتيما دون كبار عازفيه ومنهم نذكر حافظ حداد وعبد المجيد ميهوب والحبيب الجويني و محمد بيدالي الذين اجمعوا انه لا حضور لاسطمبالي في غياب آلة القمبري الذي وللأسف لا نجده متواجد إلا في مراكز الموسيقى و غالبية الجماهير المتذوقة. والإعلام الثقافي يجهل الكثير عن هذه الآلة وبذلك فقد اغتيل القمبري مرتين".


ثورة القمبري على السائد


يقول صالح الورغي في حديثه معنا أن "القمبري ثورة على السائد وان إقصاء هذه الموسيقى لاعتبارها موسيقى زنجية مقتصرة على إفريقيا السوداء هو السبب الرئيسي في العزوف عن الانتماء إلى فرق السطمبالي". و أضاف أن "حالة الخروج عن طوع السيطرة يراها البعض اتصال بالجان وطاقات ما ورائية واتصال بالعالم الأخر ولنا خير دليل على ذلك شخصية البوسعدية التي يهابها البعض جراء الأقاويل والأساطير التي قيلت عنها. تلك الشخصية التي تبدو بجراتها ورقصاتها العبثية أسطورة لا تتكرر تكمل ذلك العرض وتزيد في جمالية المشهد الموسيقي الراقص بألوان حارة تبعث الحياة في نفوس المشاهدين مع حدة الصخب المتكرر".


صور ماثيو هاجان

ألينا صالح الورغي عازف الة القمبري وقائد فرقة السطمبالي


عن" الينا" أتحدث أو "شيخ السطمبالي" كما ينعته البعض باعتباره مركز الفرقة السطمبالية و قائدها وهو عازف آلة القمبري. إذ يتصدر المجموعة العازفة فيعدل الأوتار والإيقاع والنوبات في صبغتها الأصلية ويزيد بعض الألحان المقتبسة عن آلة النقوني ليضفي طابعا عصريا في شيئ من "التخميرة ". هي التخميرة التي اعتبرها الدكتور زهير قوجة " العنصر الأساسي في الحضرة لان الخليط المتجانس بين دبكة الإيقاع في الة القمبري وجر وترها يخلف صوتا تضعف له المسامع فيتخدر المستمع لما تحمله آلة القمبري من طابع اتنو بسيكولوجي". ففي الحضرة إيقاعات وأصوات تخترق اللاوعي لتجعله يحفر في الذاكرة الجماعية وتساعده بعض الطقوس المتداولة في الخروج عن دائرة الوعي ولكن مثل هذه الطقوس لم يعد معمول بها. واعتبر قوجة انه لا يهتم إلى هذه "التراهات" بقدر ما يعنيه الجانب الرمزي والعلاجي و الموسيقي الفني مضيفا أن العديد من الوثائق الاكنوغرافية والفوتوغرافية التي تشهد بمفعول آلة القمبري وما يحدثه فينا من صخب يدغدغ الأحاسيس.


يقول بلحسن ميهوب "لقد صرت "ينا" بالوراثة كنت مهووسا بالة القمبري حد الغرام فانا لا اترك حفلا إلا و حضرته مع والدي عبد المجيد ميهوب رحمه الله الذي كان بدوره شيخ سطمبالي لأنة الوحيد الذي يجيد العزف مطولا على آلة القمبري والذي علمني أسرارها بنوتاته وأوتاره الثلاثة الذين يعزفون العجب، علمني كيف أطوع يداي لجر الأوتار وخلق الإيفاع في نفس الآونة وبنفس اليد علمني كيف أتماهي مع القمبري وكيف تكون الآلة جزءا لا يتجزأ مني".


لا يمكن ازاحة القمبري او تغييبه


يقول بلحسن ميهوب عازف آلة القمبري "أن هذا الموروث الفني التونسي يندرج ضمن المنسيات المُهملات ثم انه لا يمكن ازاحة القمبري او تغييبه لما تتبناها هذه الآلة من حس لامتناهي لا يجبرني على التقيد المتزمت بقواعد الموسيقى المقننة والمتداولة ". ويشاطر الينا صالح الورغلي، ميهوب الرأي نفسه، حيث اكد على ضرورة الحفاظ على هذا الموروث الفني والثقافي والحضاري التونسي ذلك من خلال إحداث مهرجان خاصّ اوركسترالي جامع بين الدربوكة والجامب الإفريقي والشقاشق والبنادر والقصبة والمزود والشنة و يتصدرهم سلطان الآلات الإفريقية القمبري.


وتجدر الإشارة أنه يحتفى بالقمبري خلال "مهرجان قناوة وموسيقى العالم" الذي يُعقد سنويا بمدينة الصويرة المغربية، والذي شكل وجهة سياحية ضخمة” مؤكدا ان آلة القمبري استوعبت كل الأنساق الأدائية والتحولات الأسلوبية الموسيقية المساوقة للفن. إن اندثار آلة القمبري يعود أساسا إلى تغير الذوق العام و طرائق الأداء وتقنيات الصناعة وتداخل بعض الآلات المشابهة التي نزعت من القمبري طابع الخصوصية لتجعله يتلاشى شيئا فشيئا ولكن ما يؤكده أهل الاختصاص إن آلة الفمبري آلة ولادة ولا حدود لخاماتها أو إيقاعها أو الألحان التي تحدثها أوتارها الثلاثة .

أسماء الطرابلسي



 À l'affiche
Derniers articles
Archives
  • Facebook Basic Square
  • Twitter Basic Square
  • Google+ Basic Square
bottom of page