تجارة الثقافة في تونس، بمحتوى دون المطلوب
الثقافة عماد تقدم الشعوب هكذا يقال منذ القدم ،لكن تغير الوضع الآن ففي الثقافة أصبحت كل الوسائل متاحة فقط لكسب المال... فهل نحن إزاء عصر التجارة الثقافية في تونس؟
لا ترتبط الثقافة بمواسم فهي ليست صيفية أو شتوية ،ربيعية أو خريفية...الثقافة أين ما حللت و متى ما أردت هكذا حال الدول التي تحترم فيها الثقافة و تقدس. لكن الحال ليست السواء في تونس حيث يمثل الصيف الفرصة الأكبر و الأوحد تقريبا لانتعاش الثقافة و تحرك المثقفين التونسيين داخل إطار ثقافي ضيق أو يكاد يكون منعدما. و أن كانت هذه الفترة هي النهضة الثقافية في تونس إلا أنها لا ترتقي لتسمى ثقافة، حيث أن قانون البيع و الشراء هو المسيطر، أي انه لا توجد ثقافة للثقافة بل الثقافة التجارية الربحية .
هكذا اصبح حال المهرجانات الثقافية في تونس لا يحمل من الأمر غير الاسم ويبقى المحتوى دون المطلوب، بسبب إما ضعف في التنسيق أو قلة التمويلات من وزارة الثقافة و رجال الأعمال. و اصبح نجاح الحفل أو التظاهرة الثقافية مرتبطة باسم النجم الذي يحييها لا بمستوى المنتج أو العرض المقدم لعامة الشعب و نخبته.
فان أخدنا مثالا واقعيا عن أخر التظاهرات الثقافية التي جرت في تونس هذه الفترة ألا وهي أيام قرطاج السينمائية، لوجدنا ان الجدل القائم في الافتتاح كان بسبب فساتين الفنانات، الضيوف بلا دعوات أو لقطات السقوط على السجاد الحمراء و تناسى الجميع أمر الأفلام التي ستعرض و خاصة التونسية منها والذي كان أولها "زهرة حلب" للمخرج التونسي رضا الباهي .
كل هذه الترهات التي تقف عائقا أمام ازدهار الواقع الثقافي و انتعاشه تجعلنا نؤمن أحيانا أن الفن لم يخلق لنا و أننا لم نخلق لنعيش بالفن والثقافة، إذ أننا نسبح دائما في الأماكن الميتة المهجورة، و نختار الاحتمال الآمن لكي لا نضع احتمال الربح أو الخسارة صوب اعييننا فنجد انفسنا منساقين وراء اختيار مستهلك جدا لم يعد له ما يقدم من تجديد، وننفر من الوجوه و المواهب الشابة المبدعة لكي لا نضحي بمكاسب قديمة لا تتماشى مع العصر الثقافي الفني الحديث.
فإلى جانب تجارة الثقافة، يجعلك الواقع المعيش تتنبأ بأزمة ثقافية أعمق في مجال الإعلام الذي لم يتحرك له ساكن إلى حد اللحظة لتوعية الشعب بمخاطر هذه المأساة التي ضربت الثقافة التونسية و العربية عموما.
درة عبد القوي