عزيز الجلّيتي و مريم العلوي في مسرحية "الشيطان و قرينه": جدلية البشر و الشر
الخميس 12 جانفي 2023 بقاعة علي بن عياد بالمعهد العالي للفن المسرحي بتونس العاصمة قدمت مسرحية "الشيطان و قرينه" للطالبين عزيز الجلّيتي و مريم العلوي في إطار امتحان السداسي الأول - مادة الفرنسية - تحت إشراف الأستاذة سلمى العياري. يقول الجلّيتي مخرج العمل: "هذا العرض هو اقتباس لمسرحية أوديب. هذا الذي نام مع أمه و هو لا يعلم أنها أمه. بعد سنين أصيبت المدينة بلعنة، و في آخر المسرحية علم بذلك فانتحرت زوجته التي هي أمه. عبر هذه المسرحية وضعنا الشخصيتين في وقتنا الحاضر. جعلنا أوديب شخصية رجل مسنّ في زنزانة محكوم عليه بالمؤبد بعدما اغتصب أمه في سن 27 سنة". وحسب تصور الطالبين أوديب في واقعنا اليوم هو مدمن كحول و مخدرات عانى في طفولته من أمه من عنف و حرمان. هذه الأخيرة قامت بحرقه في وجهه فجعلته مشوها و شكلت له نقمة و كره تجاهها حتى كبر.
اختار الثنائي توظيف تقنيات متعددة من التسجيلات الصوتية (voix off)، تسجيل الفيديو و الموسيقى المرافقة التي تخللت العرض في مرات عدة. لم تكن هذه الموسيقى متنوعة بل كانت مبوبة في مقطع واحد صاخب متكرر ربما أرادا بها التعبير عن الغضب الساكن داخل جسد مسجون ومكبل. ثم من ناحية الصورة أي الجمالية السنوغرافية للعرض فقد امتلأ الركح بأوراق الجرائد ممزقة بالإضافة إلى مرحاض وقع التعامل و التفاعل معهما بشكل يخدم قتامة الحياة وصعوبتها التي أراد الجليتي والعلوي إيصالها للمتقبل من خلال التركيز على الحركة والصوت والأداء المشحون بالتوتر وعدم راحة البال. قد أستهل العرض بصوت الممثلة مريم العلوي وهي تلقي نص سردي لأوديب و الجلّيتي وسط الركح يجسد بواسطة الحركة مشاعر حسرة وندم و إحباط.
يوجد نوع من التناغم و الانسجام حتى إن المشاهد بنيت بشكل محكم و موظف من الناحية الأدائية و الإخراجية خاصة من خلال القناع (الملامح) فهي معبرة جدا حتى أنها تحمل في طياتها حكايات و تختلف هذه التعابير وفق المشهد و الكلام المفصوح به و الحالة النفسية و الجسدية للممثلين. اللوحات التعبيرية الجسدية المدرجة بالعرض كانت بإيقاع بطيء. فتقبل الخبر في الجريدة أخذ وقتا واسعًا مما أبرز ذلك قدرات الممثلين على الخشبة حتى إن الممثلة مريم العلوي استنجدت بالآلهة وقد يستدعى الموضوع طلب العون من الآلهة نظرا لحدته و قساواته. وقد نجحت أداءًا وتعبيرًا وكانت مقنعة بشكل كبير في تجسيد الضياع الذي تعيشه الشخصية.
من ناحية الإضاءة كانت خافتة و موحدة و لم يكن فيها بحث و اجتهاد و ربما أن القاعة لم تفسح لهما الإمكانات اللازمة و الضرورية لتقديم مستوى أفضل. بعد ذلك نلاحظ توظيف تقنية الفيديو التي فيها استرجاع للحظات الطفولة مع الأم إلى الكبر. فقد مثل الحلم كوشمار من خلاله تغيرت مجريات الأحداث و تحولا المؤدين من متقبلين للخبر إلى متبنين للخبر. هذا الخبر المتمثل في قتل الأم دفعهما إلى تمزيق كل الجرائد. رمزيا هو تمزيق لأيامهما وحياتهما التي لم يعد لها معنى مما دفع بهما إلى نهاية تعتبر قاتمة و دغمائية. فالانتحار الذي توصلا إليه كان إلا وسيلة للهروب و التخلص من أعباء العالم الخارجي. كما اعتمدت تقنية تصوير من منظور واحد حيث إن الكاميرا لم تنقطع عن التصوير من بداية العرض حتى نهايته لكن الكاميرا جعلتنا نتقيد بما تصوره الآلة فعين المتفرج أصبحت مقيدة لما تختاره الكاميرا. وهذا في أغلب الأحيان يضعف المشهد المسرحي كفن حي.
حسام صفر
Bravo Houssem pour l'article