في اليوم العالمي للإذاعة...رحلتي مع الإذاعة : بين الشغف والالتزام (بقلم أسامة بن الحاج محمد)
لم تكن الإذاعة مجرد تجرِبة عابرة، بل كانت شغفًا تحول إلى مشروع متكامل من العمل الصوتي والتوثيقي. انطلقت تجربتي بعد التكوين الأساسي ضمن راديو واب الصوت الحر بأكودة، الذي كانت تشرف عليه حينها السيدة منى كحلون، وهي أول من رسم خطواتي في هذا المجال، قبل انطلاقتي مع "عروس البحر" إذاعة المنستير، وذلك بتوجيهات من كبير المخبرين الصحفي محمد وليد الجموسي. هناك، أمّنت أكثر من 29 مراسلة خارجية مباشرة، وهو ما أتاح لي فرصة التجوّل بين مختلف الفعاليات الثقافية والفنية، والاقتراب أكثر من نبض الشارع والجمهور.

وباعتبار اختصاصي الأكاديمي في المسرح، قادتني الأفكار إلى تقديم فَقَرة قارة بعنوان "المسرح التونسي تاريخ لا يُنسى" ضمن برنامج "أهل الفن" على نفس الإذاعة. كنت أبحث في أرشيف المسرح التونسي، أروي قصصه، وأعيد إحياء أعماله التي صنعت ذاكرة المشاهدين والمستمعين. كان الهدف من هذه الفَقَرة هو تسليط الضوء على رواد المسرح التونسي، واسترجاع أمجاد أعمال شكلت وجداننا الثقافي.
لكن التجربة لم تتوقف عند هذا الحد، فقد كنت أيضًا صاحب برنامج "الزمن الجميل" بجزئيه مع راديو واب الصوت الحر بأكودة. كان هذا البرنامج رحلة عبر الزمن، نستعيد فيه ألحان الماضي، ونحكي قصص الفنانين الذين تركوا بصمتهم في تاريخ الموسيقى. حاولت من خلاله أن أعيد تقديم التراث الموسيقي بأسلوب حديث، يجعل الجيل الجديد يتذوق سحر الأصالة.
كما ساهمت في برامج أخرى ذات طابع خاص، مثل "رادار الجهات" و"ما خفي"، حيث كنت ضمن الفريق أعمل على تقديم محتوى متنوع يراوح بين الثقافي والاجتماعي والفني، مع التركيز على القضايا التي تهم المستمع، سواء في جهته أو في وطنه.
لماذا تبقى الإذاعة مهمة اليوم؟
في عالم يطغى عليه المحتوى المرئي، قد يظن البعض أن الإذاعة فقدت بريقها، لكن الواقع يثبت العكس. إذ لا تزال المحطات الإذاعية تستقطب ملايين المستمعين، لأنها تمنحهم مساحة للتفكير، وتحررهم من سطوة الصورة، وتتيح لهم الاستماع أثناء القيام بأنشطتهم اليومية. كما أن ظهور الإذاعات الرقمية والبودكاست منح الإذاعة روحًا جديدة، وسمح لها بالانتشار على نطاق أوسع، مع جمهور أكثر تنوعًا.
الإذاعة صوت لا يموت
الإذاعة ليست مجرد وسيلة لنقل الأخبار أو تقديم البرامج، بل هي فضاء حيٌّ يزخر بالإبداع والتفاعل والتأثير. في تجربتي الخاصة، كانت الإذاعة أكثر من مجرد منبر، بل نافذة على العالم، ومدرسة علمتني كيف أنقل الفكرة بالكلمة والصوت وحدهما. ومع احتفالنا بهذا اليوم العالمي، يبقى الأمل في أن تستمر الإذاعة في التجدد، محافظة على هويتها، وفي الوقت ذاته، منفتحة على المستقبل.
Comentarios